لم تحترم إيران القانون الدولي ولم تعترف بالمواثيق والأعراف الدولية منذ عام 1979 وحتى الآن، بل حتى دستورها يشير بوضوح إلى احتقار القانون الدولي وسيادة الدول الأخرى على أراضيها. مثل هذه الدولة لا يحق لها البقاء ضمن المنظومة الدولية التي تزدريها، بل يجب إخراجها منها وحرمانها من أي مشروعية دولية حتى تلتزم القوانين والمواثيق الدولية كباقي دول العالم.
ويضاف هذا الازدراء للأعراف والقوانين الدولية إلى مخالفة النظام الإيراني لحقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، وتوظيف رجال متعصبين لا قبل لهم بالقانون، كقضاة يحكمون حسب أهوائهم وتفسيراتهم الغرائبية للنصوص الدينية، ويحكمون على المواطنين الإيرانيين المخالفين لنهج النظام القروسطي بالإعدام أو الحبس الشديد.
وأحد هذه التفسيرات “القانونية”، أن المحكوم عليهم بالإعدام “سيذهبون إلى الجنة إن كانوا أبرياء”، وهذا ما قاله القاضي تيراني للمتهم رضا حسيني في محاكمة استمرت دقيقتين فقط عام 2016، حسب صحيفة الإندبندنت البريطانية الرصينة. كما نُسِب هذا القول إلى قضاة إيرانيين آخرين، بينهم آية الله صادق خلخالي، أثناء محاكمات مسؤولي نظام الشاه بعد نجاح الثورة الإيرانية، التي لم تبقِ ولم تذر بل شملت حتى المسنين المتقاعدين ولم تستغرق كل منها سوى دقائق معدودة.
وتمنح إيران الحق لنفسها بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهذا التدخل واضح في العراق ولبنان واليمن وسوريا وأفغانستان وأذربيجان ودول أخرى.
بل لم تكتفِ إيران بالتجاوز على سيادة الدول الأخرى، وارتكاب الانتهاكات سرا، من تأسيس الميليشيات إلى دعم الإرهاب وتسهيل تهريب المخدرات وتهريب النفط، وضرب المنشآت الاقتصادية والسيادية للدول الأخرى بالطائرات المسيرة وصواريخ الكاتيوشا، واحتلال السفارات على أرضها واحتجاز الدبلوماسيين كرهائن، بل وضعت في دستورها مادة تنص على أن قواتها المسلحة “تحمل أعباء إلهية” تتمثل في “الجهاد في سبيل الله والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم”، كما أشار إلى ذلك الدكتور عقيل عباس في مقال منشور حديثا.
من حق الشعوب أن تختار نظام الحكم الذي ترتضيه، ولكن ليس من حقها أن تبيح لنفسها أن تتمدد خارج حدودها بالقوة العسكرية، وتحدد للآخرين ما هو الصحيح وما هو الخطأ وما هو الإلهي وما هو البشري.
من الواضح أن الدستور الإيراني ينتهك القانون الدولي ويتجاوز على سيادة الدول الأخرى ويعطي الحق للجيش الإيراني أن يتدخل في الدول الأخرى “من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم”، علما أنه ليس معلوما ما هو القانون الإلهي الذي تلتزم به إيران، وهل نزل عليها وحدها، وأن البارئ عز وجل خصها به وحدها دون غيرها من الأمم، وكلفها بتطبيقه في باقي أنحاء العالم، أم أن هناك دولا أخرى مكلفة إلهيا بالسير في مناكبها والتدخل في شؤون العالم؟
هل يقر هذا القانون “الإلهي” مهاجمة المطارات والسفارات والمنشآت الصناعية والزراعية وتسميم البحيرات وحرق المحاصيل في الحقول وتدمير خطوط الكهرباء في الدول الأخرى؟ وهل يجيز تأسيس الميليشيات وتجنيد المرتزقة وقتل الأبرياء والمحتجين واختطاف المخالفين خارج الحدود وقتلهم سرا وإخفاء جثثهم؟ هل يجيز استدراج أصحاب الرأي بدعوات مزيفة إلى دول أخرى واختطافهم من مطاراتها، كما حصل للمعارض الإيراني المقيم في باريس، روح الله زم، الذي استدرجه الحرس الثوري إلى بغداد باستخدام اسم المرجع الديني علي السيستاني، ثم خطفه من هناك إلى إيران ليحكم عليه بالإعدام باعتباره “مفسدا في الأرض”!
منذ عام 1979 وإيران تحارب خارج أراضيها، سرا وعلنا، وكل ذلك باسم الله والإسلام والشيعة، والغريب أنها تحارب المسلمين دون غيرهم. تدعي التشيع وتحارب الشيعة. حاربت العراق ثماني سنوات وقتلت من العراقيين والإيرانيين الشيعة ما يقارب المليوني إنسان، وأضاعت مليارات الدولارات من أموال المسلمين والشيعة، بينما تستورد السلاح من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا والصين، مبددة أموال المسلمين الإيرانيين على شراء الأسلحة من أجل محاربة المسلمين في البلدان الأخرى.
لا يحق للدول التي تنتهك القانون الدولي أن تتمتع بشرعية دولية أو تشترك في المنظمات الدولية، وأولاها منظمة الأمم المتحدة. يجب ألا تتجاوز دساتير الدول وقوانينها، ومناهجها الدراسية، على حقوق الدول والشعوب الأخرى، وطالما أثارت الفقرات الدستورية أو المناهج الدراسية في دولة ما، مشكلة مع دول أخرى ترى فيها تهديدا وانتهاكا لحقوقها أو تراثها.
المناهج الدراسية في اليابان مثلا كانت تخفي جرائم القتل والاغتصاب التي ارتكبها الجيش الياباني في الصين وكوريا الجنوبية أثناء الاحتلال الياباني للبلدين، الأمر الذي أثار غضب الصين وكوريا الجنوبية، ولم تحل المشكلة إلا بتقديم اليابان اعتذارا عام 1993 حول ما سُمّي حينها بـ”نساء التسلية” التي استخدمها الجيش الياباني لتسلية الجنود اليابانيين في الصين وكوريا الجنوبية، وتقديمها وعودا بتعديل المناهج كي تنقل الحقيقة للشعب الياباني. وتتهم اليابان هي الأخرى الصين وكوريا الجنوبية بأن مناهجهما الدراسية معادية لليابان بشكل مفرط.
كما أثار اختيار الدولة الأوروبية الجديدة، “جمهورية مقدونيا الاشتراكية”، التي نشأت إثر تفكك يوغسلافيا عام 1991، لاسم “مقدونيا”، مشكلة مع اليونان التي تعتبر اسم “مقدونيا” متعلقا بتراثها القومي، فهناك مملكة مقدونيا اليونانية القديمة، التي حكمها الملك الإغريقي التاريخي الإسكندر المقدوني، وهناك أيضا منطقة في اليونان الحديثة، محاذية للدولة الجديدة، تسمى مقدونيا، وأن هذه التسمية يمكن أن تحفز سكان مقدونيا اليونانيين للمطالبة بالانفصال أو الانضمام إلى الدولة الجديدة. وقد حُلت المشكلة عندما وافقت دولة مقدونيا على تغيير اسمها إلى “جمهورية مقدونيا الشمالية الاشتراكية” في اتفاق بين البلدين رعته الأمم المتحدة عام 2018.
تتشكل إيران من خمس قوميات رئيسية، هي الفرس والترك (الأذريون) والعرب والأكراد والبلوش، وكل منها له لغته وثقافته المميزة، وقد اختارت أيديولوجية طائفية لتوحيد القوميتين الكبريين، الفرس والترك، على أسس مذهبية، بينما بقيت القوميات الثلاث الأخرى مهمشة ومضطهدة. إيران، إذن، ليست دولة قوية ومتماسكة كي تستطيع أن تهمل شؤونها الداخلية، وتتدخل في شؤون الدول الأخرى. النظام الإيراني يخاطر بتفكيك إيران إن بقي يتدخل علنا في شؤون الدول المجاورة، متذرعا بالدين والمذهب و”بسط حاكمية القانون الإلهي في العالم”.
منذ نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى الآن لم تتوقف إيران عن انتهاك سيادة الدول الأخرى، سواء بالاعتداء على السفارات، كما حصل للسفارة الأميركية في طهران عام 1980، أو السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد عام 2016، أو بتحريكها مرتزقتها في العراق لضرب السفارة الأميركية، أو بشن الحروب المباشرة وغير المباشرة على الدول الأخرى، واحتلال مناطق غنية بالنفط بالقوة العسكرية، مثل احتلال حقل الفكة العراقي عام 2009، ثم الانسحاب منه بعد أن أعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مايك مولن أن الولايات المتحدة قلقة من التوغل العسكري الإيراني في الأراضي العراقية وأنها ستفي بالتزاماتها تجاه العراق.
ويبرر النظام الإيراني هذه التدخلات بأنها تنسجم مع “مبادئ الجمهورية الإسلامية” ومواد الدستور الإيراني، متجاهلا أنها تخالف القانون الدولي والمواثيق الدولية ومبدأ سيادة الدول المستقلة على أراضيها.
لا يمكن الدولة الإيرانية أن تتعايش مع هذه الازدواجية دائما، وهي العضوية في المنظمات الدولية والتوقيع على المواثيق والاتفاقيات الدولية، بينما ينتهك دستورها وممارسات حكوماتها بشكل صارخ وعلني هذه الاتفاقيات والمواثيق. منذ عام 1979 ودول الشرق الأوسط تعاني وتتكبد الخسائر البشرية والمادية بسبب الممارسات الإيرانية المخالفة لالتزاماتها الرسمية تجاه المجتمع الدولي. ومن هنا فإن المجتمع الدولي مطالب بأن يجد حلا نهائيا لهذه المهزلة السوداء.
ميثاق الأمم المتحدة يجيز قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بطرد أي عضو ينتهك باستمرار المبادئ التي تضمنها الميثاق، ويحصل ذلك بتوصية من مجلس الأمن الدولي. صحيح أن هذا الأمر لم يحصل حتى الآن، لأن الدول الطبيعية تلتزم القانون الدولي ولا تعرض نفسها للمحاسبة الدولية. لكن انتهاكات إيران المتواصلة لسيادة الدول الأخرى وللقانون الدولي واعتداءاتها على دول المنطقة تبرر اتخاذ الأمم المتحدة مثل هذا الإجراء، إن لم تتوقف عن ممارسة هذه الانتهاكات، وإن لم تعدِّل دستورها وتلغي المواد التي تدعو للتدخل العسكري في الدول الأخرى.
آن الأوان لأن تبدأ الدول المتضررة من سياسات النظام الإيراني بتقديم هذا الطلب إلى مجلس الأمن وإقناع الدول الأعضاء في المجلس بتقديم توصية إلى الجمعية العامة لإلغاء عضوية إيران في المنظمات الدولية، أو تعليقها حتى تعدل دستورها وقوانينها، وتلتزم ميثاق الأمم المتحدة وتتوقف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى. إنه إجراء صحيح وعادل ويخدم الأمن والسلم الدوليين، إضافة إلى أنه في مصلحة الشعب الإيراني، وقد تأخر اتخاذه 42 عاما.
حميد الكفائي
https://alarab.co.uk/%D8%A3%D9%84%D9%85-%D9%8A%D8%AD%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%82%D8%A8%D8%A9-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%9F