عن «بعبع» حزب البعث (العراقي) مرة أخرى
الحياة اللندنية- الأربعاء, 02 ديسمبر 2009
أثار مقالي الأخير في صحيفة «الحياة» حول «بعبع حزب البعث في العراق» ردود أفعال كثيرة إذ وصلتني العشرات من الرسائل والتعليقات، بعضها كان شخصياً والآخر علنياً نشر في «الحياة» أو في المواقع الألكترونية الأخرى التي أعادت نشر المقال.
والكثير من هذه الرسائل كانت مؤيدة لما ذهبت إليه، بينما كان بعضها منتقداً خصوصاً الرسائل التي وصلت من أصدقاء كانوا «يعتبون» عليّ وكيف أنني «أتعاطف» الآن مع البعثيين وقد عارضت حكمهم ربع قرن من الزمن. ومن هنا فإنني مضطر للعودة إلى الموضوع كي أوضح بعض الأمور.
ابتداءً، إنني لست مرشحاً في الانتخابات المقبلة أو التي ستعقبها، وليست لدي أية طموحات سياسية أو رغبة في تولي أي منصب في العراق مستقبلا، فهذا أمر حسمته مطلع عام 2006 وقدمت استقالتي بمحض إرادتي وغادرت العراق.
لذلك فإنني لا ابتغي من إبداء رأيي سوى توضيح الحقائق والإشارة إلى الظلم الذي طال شريحة كبيرة من العراقيين هم المنتمون السابقون لحزب البعث وأفراد عائلاتهم. كذلك فإنني لم أكن يوماً معجباً بتوجهات حزب البعث أو مصدقاً بشعاراته البراقة في «الوحدة والحرية والاشتراكية»، رغم أن هذه الأهداف تناغِم مشاعر الكثير من العرب. فالذين وضعوها لم يكونوا بسطاء بل عارفين بالمزاج العربي تمام المعرفة ومن هنا فقد اجتذب حزب البعث إليه الكثير من الشباب القومي واليساري المتحمس والمتطلع إلى تحقيق تغيير حقيقي في وضع العرب بعد الهزائم المتكررة التي منوا بها في جبهات متعددة، داخلية وخارجية.
لست مع «بعث» الأموات في الدنيا ولا مع «بعث» الأفكار الميتة، بل مع التقدم والتجديد والتحرر من قيود الماضي والحاضر، وأعتقد بأن البلدان العربية ليست بحاجة إلى «بعث» أي شيء بقدر ما هي بحاجة إلى التخلص من عادات وممارسات ومفاهيم رجعية أضرت بها كثيراً وجعلتها تسير في الاتجاه المعاكس لمسيرة التطور العالمي.
نعم، أنا أتعاطف مع المظلومين وأعارض الدكتاتورية أينما حلَّت وكيفما قدمت نفسها، بغض النظر عن الأطر التي تظهر بها، دينية كانت أو قومية أو وطنية. وكيف لا أتعاطف وقد رأيت بأم عيني النظرة الدونية التي يتعامل بها الحكام الجدد مع كل من انتمى، أو يُشك أنه انتمى، لحزب البعث، بغض النظر عن سلوكه وسجله المهني وكفاءته. فقد أصبح الانتماء للبعث سلاحاً بأيدي الحكام الجدد وأتباعهم يستخدمونه ضد كل من يعارضهم، يقصونه عن وظيفته ويتهمونه بالتعاون مع الإرهاب، وقد استخدموه ضد منتمين حتى لأحزابهم ولا يزالون يغمزون من قناة هذا الشخص أو ذاك بأنه كان بعثياً على رغم أن بعضهم غادر حزب البعث في الستينات أو السبعينات وانتمى إلى أحزاب أخرى ثم إلى أحزاب إسلامية، لكن ذلك لم يغفر له في عرف خصومه، بل بقي بعثياً طالما كان مشكوكاً في ولائه للزعماء الجدد.
لقد استُخدِم قانون اجتثاث البعث أبشع استخدام ضد الخصوم والمنافسين بل ضد أشخاص لم ينتموا لحزب البعث مطلقاً باعتراف مسؤولين في الاجتثاث كما حصل للقاضي سعيد موسى الهمّاشي الذي أُتهم بالانتماء للبعث عشية خلو منصب رئيس المحكمة الجنائية في شباط 2005 بهدف الحؤول دون تسنمه هذا المنصب الذي كان مؤهلاً لتبوّئه.
وعندما كتبت في الموضوع في حينه وأثرته شخصياً مع هيئة الاجتثاث قال لي أحد المسؤولين فيها إن هناك «تشابهاً في الأسماء» بينه وبين شخص آخر! ما أشبه الليلة بالبارحة، فهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف بها شريحة معينة من المجتمع العراقي لأسباب سياسية، ودون وجه حق، فقد استخدم النظام السابق اتهامات كثيرة ضد خصومه، منها مثلا قضية «التبعية» لإيران التي استخدمت لإقصاء الكثيرين والاستيلاء على أموالهم، بينما بقي كثيرون ممن هم «من أصول إيرانية» يتبوؤون مناصب عليا وحساسة لأنهم موالون.
وقد ظلت شرائح كثيرة في المجتمع العراقي طيلة فترة الدكتاتورية، خائفة من التهجير ومصادرة الأملاك والسجن والإعدام لمجرد كون الفرد متديناً أو من أصول إيرانية أو هندية أو أنه من الأكراد الفيلية، واعتبر الكثير من الأكراد والشيعة والسنة مشكوكاً بولائهم للدولة ولم يغفر لهم انتماؤهم لحزب البعث، فهم إما انفصاليون مرتزقة أو خونة وعملاء لإيران أو رجعيون وعملاء لدول أجنبية، وقد حُرِموا، هم وذووهم، من حقوق المواطنة التي تمتع بها الموالون من العرب والكرد والسنة والشيعة وذوو الأصول غير العربية.
التاريخ يعيد نفسه، ففي الوقت الذي يحذر مسؤولون كبار من عودة البعث ويتخذون مواقف معادية من «البعثيين» فإنهم يعيِّنون بعثيين سابقين في مواقع مهمة وحساسة في الدولة إن كانوا من أقاربهم أو الموالين لهم. وفي الوقت نفسه يُبْقون سلاح «الانتماء للبعث» سيفاً مسلطاً على رقبة كل من يبدي رأياً مخالفاً أو ينافس أحداً من الأحزاب الحاكمة على منصب، أو كل منتم لمذهب غير مذهب السلطة إن لم يكن مطيعاً.
لا يمكن هذه الحالة أن تستمر ومثلما اتسعت معارضة العراقيين للنظام السابق بسبب تعسفه في استخدام السلطة وتمييزه بين العراقيين على أساس العرق والمذهب والمنطقة، فإن كثيرين سيعارضون الأحزاب الحاكمة الحالية بسبب سياساتها التعسفية ومواقفها المعادية للبعثيين السابقين وأفراد عوائلهم الذين بلغت أعدادهم الملايين، وهؤلاء ناخبون وسوف يصوِّتون ضد الأحزاب التي تميز ضدهم كي يرفعوا عنهم هذا الظلم ويتحرروا من محاولات الإذلال التي تمارس ضدهم لمجرد أنهم انتموا لحزب البعث أو عملوا في الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية السابقة، بل حتى الذين عملوا في سلك التعليم اعتبروا بعثيين.
هناك الآن ائتلافان انتخابيان يعاديان البعثيين السابقين هما «الائتلاف الوطني العراقي» بزعامة إبراهيم الجعفري و «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي. وقد أعلن زعيما هذين الائتلافين موقفهما الواضح في هذا الاتجاه وحذرا من عودة البعثيين إلى الحكم عبر الانتخابات.
لذلك فإن كل الذين انتموا لحزب البعث في فترة من فترات حياتهم ومهما كانت درجاتهم الحزبية، وكل من عمل في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية والتعليم وكل من تولى وظيفة مهمة، وكل من انتمى لاتحاد نقابات العمال أو اتحاد الجمعيات الفلاحية أو الاتحاد الوطني لطلبة العراق، كل هؤلاء متهمون بالانتماء إلى حزب البعث أو التعاطف معه. لذلك فإنهم على الأرجح لن يصوتوا للائتلافين المذكورين، بل سيكون خيارهم «الحركة الوطنية العراقية» بقيادة إياد علاوي وصالح المطلق، لأنه التجمع السياسي الوحيد تقريباً الذي يعلن أنه ضد التمييز بين المواطنين وضد اجتثاث البعث.
لقد آن الأوان أن ينتهي التمييز بين الناس وألا يشعر المرء بالخجل من ماضيه السياسي خصوصاً مع عدم ارتكابه أي جريمة. سياسة الإقصاء تخلق زوايا مظلمة في المجتمع ومجاميع تمارس الدجل والنفاق، لذلك يجب أن يُسمح لكل الأفكار بالتداول بحرية ولكل الأحزاب بالعمل السياسي، بما فيها حزب البعث إن التزم بالديموقراطية، وتعهد بمبدأ التداول السلمي للسلطة. خلاف ذلك لا يمكن الحديث عن ديموقراطية حقيقية في العراق.
* كاتب عراقي
تعليقات
مصيبة العراق
كاتب التعليق : Anonymous التاريخ : الخميس, 12/03/2009 – 22:22.
الله ورطنه ورطة بالطائفية الي هم زرعوها بنصنا ومنعرف يمتة الله يتوب علينا منها ومنهم (حسبي الله ونعم الوكيل)
رد
البجعة السوداء
كاتب التعليق: Anonymous التاريخ: الخميس, 12/03/2009 – 21:39.
إذا كان الانتماء الى حزب البعث بحد ذاته مقياسا لولاء الشخص للنظام السابق، أو لقبوله بجرائم ارتكبها قياديو هذا الحزب في الماضي، فهذا قد يعني أن نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، البعثي السابق، من الموالين لصدام او للبكر مثلا. وتاليا فيجب اجتثاثه من الحكومة، وعدم السماح له بالمشاركة في الانتخابات. وهذا الأمر يصح على اياد علاوي أيضا. ولكن الانتماء بحد ذاته ليس جريمة، ولا يجب ان يتم الاعتماد عليه كوسيلة للتمييز بين الناس وتقدير قابلياتهم الكامنة في خدمة المجتمع. ادعو كل من يؤمن ببعبع البعثيين الى قراءة نظرية الـبجعة السوداء Black Sawa.
رد
الكلمة التي يجب هندستها
كاتب التعليق: Anonymous التاريخ: الاربعاء, 12/02/2009 – 22:22.
لقد قرات المقال الذي كتبه الأستاذ الكفائي, وبغض النظر عن اتفاقي او عدم اتفاقي مع مضمون المقال فقد وجدت فيه الكثير من عدم الدقة في المعلومات لا أدري هل ان ذلك بسبب ابتعاد الاستاذ الكفائي عن الواقع العراقي ام لسبب اخر والذي اعتقده هو الأول لان الكاتب يقول بانني سوف لا أعود الى العراق… إنني أرى أنه من الأجدر لأي سياسي في العراق ان يقول ما يؤمن به بالضبط وأن يقول ما يطمئن بأنه من الوطنية, كما أنني أرأب بالسياسي العراقي ان يستعمل الأسلوب السياسي القديم في أنني مع السلطة مادامت السلطة تحقق أهدافي وضدها اذا اختلفت معها. د. صلاح شبر
رد
بعبع البعث
كاتب التعليق: Anonymous التاريخ: الاربعاء, 12/02/2009 – 20:51.
السيد حميد الكفائي
أخيرا بدأ الصوت يتعالى.. وينطق بالحق
نعم إن أعداد البعثيين المتضررين من العراقيين بلغوا الملايين
ملايين.. طردوا من الوظائف.. واستبيح قتلهم.. وجوعت عائلاتهم ..وبأي ذنب ..لأنهم اعتنقوا فكرا ؟؟
أحيي فيك الشجاعة.. ونرجو توسيع دائرة صوتكم للدفاع عن المظلومين والغاء قانون المسائلة والعدالة الخبيث
عراقية
رد
بنت
كاتب التعليق: Anonymous التاريخ: الاربعاء, 12/02/2009 – 19:04.
بنت البصرة
أحسنت أستاذنا الكفائي هذا هو السياسي الحقيقي وليس التحف الموجودين في البرلمان الحالي أتمنى لو لدينا قلة قليلة من أمثال الكفائي لكان العراق بألف خير
رد
فاجأتني يا أستاذ
كاتب التعليق: Anonymous التاريخ: الاربعاء, 12/02/2009 – 15:19.
السلام عليكم
اولا بارك الله فيك، ثم يا دكتور كيف السبيل للانتهاء من الرجعية الحاكمة الآن في العراق خصوصا وأنهم لم يبنوا اي شيء بل هم جميعهم بكردهم وعربهم يمشون ويسكنون تحت منجزات الحزب العظيم الذي سرقه صدام حسين (رحمه الله) فكيف السبيل لخلاص العراق؟
اسألك لأنك على اطلاع بهؤلاء المرتزقة، واعلم يا استاذ أنني لم أمجد صدام يوما قبل 2003 بل كنت معارضا له صامتا حالي كحال اغلب العراقيين، لكنني عندما عرفت أن هؤلاء هم معارضو صدام كبر صدام عندي لصغر حجمهم.
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/82069