لجنة الكونغرس المختصة تنصح بإجراء تحقيق جنائي مع ترامب
سكاي نيوز عربية:26 ديسمبر 2022
اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في هجوم أنصار الرئيس دونالد ترامب على مبنى الكونغرس، كابيتول، في 6 يناير عام 2021، وضعت اللوم على الرئيس السابق، ونصحت وزارة العدل في تقريرها المفصل بإجراء تحقيق معه حول ارتكابه مخالفات محتملة.
ويقول التقرير المكون من 845 صفحة، إن ما حصل يوم 6 يناير 2021، لم يكن حدثا عابرا أو احتجاجا عاديا تحول فجأة إلى عنيف، وإنما كان مؤامرة متعددة الأطراف لإلغاء النتائج القانونية لانتخابات عام 2020. ويشير تقرير اللجنة، المكونة من أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلى أن مساعدي الرئيس ومستشاريه وموظفي البيت الأبيض لم يتعاملوا بجدية مع ادعاءات الرئيس بأن الديمقراطيين قد سرقوا الفوز منه.
ويضيف أن الرئيس السابق كان يشاهد عملية الاقتحام عبر فديو في البيت الأبيض لثلاث ساعات ولم يتدخل، حتى أن أحد مساعديه، هوب هيكس، أرسل رسالة نصية إلى مسؤول آخر، قال فيها “لقد تحولنا إلى إرهابيين محليين الآن”.
وعلى الرغم من أن اللجنة لا تمتلك صلاحيات قضائية، أي أنها لا تستطيع أن تقاضي الرئيس السابق، لكن مجرد وضع اللوم عليه سيجعل فوزه في الانتخابات المقبلة مستبعدا، إن لم يكن مستحيلا. وقد صوت أعضاء اللجنة بالإجماع على إحالة التقرير إلى وزارة العدل للتحقيق مع ترامب حول ارتكاب مخالفات أو جرائم محتملة. وزارة العدل بدورها تجري تحقيقاتها المنفصلة حول الموضوع وقد تتخذ إجراءً ضده، ما يعني أن محاولته العودة إلى الرئاسة ستبوء بالفشل، خصوصا وأن هناك إدراكا متزايدا لدى الحزب الجمهوري بأن ترامب لن يقوده إلى الفوز في الانتخابات المقبلة.
وكانت قيادات الحزب الجمهوري قد صمتت إزاء تجاوزات ترامب خلال فترة رئاسته وما بعدها، باستثناء قلة من أمثال مرشح الرئاسة السابق، ميت رومني، وعضو الكونغرس، ليز تشيني، ليس لأنهم لا يعرفون أن الرئيس على خطأ، وأنه أضر بالمؤسسة الدستورية الأمريكية عندما حاول رفض نتائج الانتخابات، وأنه حاول إعاقة التصديق على النتائج، تحت مزاعم واهية، وإنما للشعبية الكبيرة التي تمتع بها بين أتباع اليمين الجمهوري والمتدين الذي يهيمن على الحزب حاليا.
وحسب تقرير اللجنة، فإنه كان واضحا أن الرئيس ترامب يعرف بأن نتائج الانتخابات كانت حقيقية، لأن الحجج التي ساقها ترامب لتبرير رفضه النتائج كانت مختلفة وتتغير باستمرار. في بادئ الامر قال إن الدليل على فوزه هو أن ملايين الأصوات لم تدخل ضمن العد النهائي. ولكن اتضح من خلال مخاطباته المسجلة للمسؤولين الانتخابيين من الحزب الجمهوري، أنه أراد منهم أن يدبروا له عددا محددا من الأصوات في بعض الولايات! لكن أيا من المسؤولين الجمهوريين، من أصغر الموظفين إلى نائب الرئيس، مايك بنس، لم يتعاونوا معه مطلقا، بل التزموا القانون وما تمليه عليهم ضمائرهم ومسؤولياتهم القانونية، وهذا، وإن كان يُسجل لصالح الحزب الجمهوري، إلا أنه دليل قاطع أيضا على مناعة النظام السياسي أمام التجاوز عليه وانتهاك قواعده، إذ صمد في وجه أعلى سلطة في البلد.
لم يحصل في تأريخ الولايات المتحدة أن رئيسا خاسرا يرفض النتائج ويدعي أن الانتخابات مزورة. وأغرب ما في الأمر أن الرئيس ترامب دعا نائبه، مايك بنس، الذي كان مواليا له طوال فترة الرئاسة، بأن يرفض إقرار النتائج، وكأن الأمر كله بيده، بينما كان دوره إجرائيا بحتا. وكان طلب الرئيس مثيرا للسخرية! فالرئيس الخاسر يطلب من نائبه، الخاسر أيضا، أن يعيد تعيينه رئيسا جديدا للولايات المتحدة قبل أسبوعين من انتهاء ولايته! كما طلب من وزارة العدل أن تحجز على أجهزة التصويت، لكن مسؤولي الوزارة هددوا باستقالة جماعية إن هو أصر على طلبه. كما رفض حاكما ولايتي جورجيا وأريزونا، الجمهوريان، براين كمب ودوغ دوسي، طلب الرئيس عدم التصديق على النتائج في الولايتين، بل صدّقا عليها دون تردد، لأنه لا يوجد سبب لعدم التصديق، وأن اتباع توجيهات الرئيس في هذه القضية سيصطدم بالقانون.
ويضع تقرير لجنة الكونغرس اللوم على الرئيس ترامب بأنه لم يقُم بواجبه بإنهاء هجوم مؤيديه على مقر الكونغرس، باعتباره قائدا عاما للقوات المسلحة الأمريكية، و”قائدا للمشاغبين” الذين هاجموا مبنى الكابيتول. كما تطالب اللجنة بالتحقيق مع الرئيس السابق حول ارتكابه “جرائم خطيرة”، منها “تقديم المساعدة للمهاجمين والتحريض على الفتنة”. كما دعت إلى تفعيل مادة دستورية، لم تُفعَّل منذ الحرب الأهلية الأمريكية في القرن التاسع عشر (1861-1865)، والتي تحظر على المتمردين تولي المناصب العامة.
ويشير التقرير أيضا إلى أنه “كان يمكن التنبؤ بوجود خطر تمرد مسلح على مبنى الكابيتول من قبل محتجين غاضبين، ولكن الذي لم يكن متوقعا هو أن يكون رئيسُ الولايات المتحدة الأمريكية المحرض على تأجيج الاحتجاج، ومقدم التسهيلات للهجوم، فهذا أمر غير مسبوق في تأريخ الولايات المتحدة”.
بعد كل هذه الانتقادات التي وجهتها لجنة متخصصة في الكونغرس، وتصويتها بالإجماع على إحالة الملف إلى وزارة العدل لإجراء تحقيق قضائي، فهل يمكن أن يرشح الحزب الجمهوري ترامب مرة أخرى للرئاسة، وإن رشحه فعلا، ومثل هذا العمل سيكون طائشا، فهل يا ترى يستطيع أن يفوز بعد أن انتقدته اللجنة المختصة في الكونغرس على دوره في الهجوم على الكابيتول؟ وماذا يحصل للحزب الجمهوري لو أن وزارة العدل قررت مقاضاة ترامب بعد اختياره مرشحا له؟
لم يتمكن ترامب من الفوز في انتخابات عام 2020عندما كان رئيسا، وكانت فرصته أكبر، فالمتوقع في العادة لأي رئيس أن يُنتخب مرتين، إلا في حالات نادرة، إما بسبب فشل سياسي صارخ، كما حصل مع جيمي كارتر أثناء أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران، أو إخفاق اقتصادي مع وجود منافس قوي، كما حصل مع جورج هيربرت بوش عام 1992، عندما تفوق عليه المرشح الديمقراطي، بيل كلنتون. لذلك فإن من المستبعد أن يصوت له الناخبون الذين رفضوه عام 2020؟
ومما يزيد الرأي العام الأمريكي قناعة بصواب تقرير اللجنة بوضع اللوم كله على الرئيس السابق، وأنه كان يقف فعليا وراء التمرد، أن ترامب نفسه وعد في سبتمبر الماضي بأنه سيصدر عفوا عن المشاركين في الهجوم على مبنى الكابتول إن فاز في الانتخابات المقبلة! والأغرب من هذا أنه دعا في منشور له على شبكة (Truth Social) في الرابع من ديسمبر الجاري إلى إلغاء نتائج الانتخابات الماضية وإلغاء القوانين والقواعد، حتى تلك المنصوص عليها في الدستور الأمريكي، من أجل إعادته رئيسا للولايات المتحدة! مثل هذه التصريحات، إضافة إلى إصراره بأن الانتخابات الماضية كانت مزورة، دون إبراز أي دليل على ادعائه، لا يمكن أن تساعده على الفوز مرة أخرى، خصوصا بعد صدور تقرير لجنة الكونغرس الأخير الذي يحمِّله المسؤولية كاملة.
تصريح ترامب أعلاه استقطب إدانة من البيت الأبيض على لسان الناطق باسمه، أندرو بيتس، الذي قال إن الدستور الأمريكي مقدس وهو الذي ضمن الحرية وتطبيق القانون لمئتي عام، وهو يوحد الأمريكيين بغض النظر عن الأحزاب التي ينتمون إليها”، ثم وجه خطابه مباشرة إلى دونالد ترامب “لا يمكنك أن تحب أمريكا عندما تفوز فقط”! بينما دانت عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري، ليز تشيني، تصريح ترامب في تغريدة لها على تويتر، نشرتها شبكة سي أن أن، قائلة إن دعوته إلى إلغاء القوانين والقواعد، حتى تلك التي نص عليها الدستور، “تمثل موقفه الثابت في 6/1/2021 وحتى الآن، ولا يوجد شخص صادق يمكن أن ينكر أن ترامب هو عدو الدستور”. وكانت تشيني قد خسرت مقعدها في الكونغرس عن ولاية وايومي في الانتخابات الأخيرة، ربما بسبب موقفها المناهض لترامب.
من الخيارات المتاحة للجمهوريين هو ترشيح شخصية أخرى قادرة على الفوز، مثل حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس، ذي الـ 44 عاما، والمتخرج من جامعة هارفارد في القانون، والنائب السابق في الكونغرس والضابط السابق في البحرية الأمريكية، إذ خدم في العراق حتى عام 2007. ديسانتيس كان مؤيدا لترامب عام 2016 لكنه افترق عنه بعد أن صار عبئا انتخابيا على الحزب الجمهوري بسبب تحديه للشرعية الانتخابية.
في الانتخابات النصفية الأخيرة، فاز ديسانتيس بولاية ثانية كحاكم لولاية فلوريدا، وقد هتف مؤيدوه هتافات مؤيدة لترشحه للرئاسة، الأمر الذي دفع ترامب لأن يطلق تهديدا بأنه سيكشف “تفاصيل غير محبذة عنه” إن هو رشح نفسه للرئاسة! لكن ديسانتيس لن يكترث على الأرجح لهذه التهديدات، وسوف يدخل سباق الترشح عن الحزب الجمهوري، ولكنه ليس في عجلة من أمره فمازالت هناك سنتان لموعد الانتخابات المقبلة. وأيا كان المتنافسون على تمثيل الحزب الجمهوري، فإن المنافسة ضمن الحزب ستكون حامية الوطيس، خصوصا بوجود ترامب، وسوف تكشف المزيد من الانقسام داخل الحزب، الأمر الذي يقلص من فرصه في الفوز.
وإن تمكن الديمقراطيون من تقديم مرشح قوي في انتخابات عام 2024، فإنه يمكنهم أن يحتفظوا بالرئاسة لولاية ثانية، لكنهم إن رشحوا الرئيس بايدن، الذ سيبلغ من العمر 82 عاما بحلول الانتخابات المقبلة، فإن فوزه لن يكون مضمونا، خصوصا وأنه أبدى ضعفا سياسيا وإداريا واضحا بسبب تقدمه في السن.
لا شك أن هجوم أنصار الرئيس ترامب على مبنى الكونغرس في محاولة لإعاقة انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخب، قد زعزع الثقة بالنظام السياسي الأمريكي، خصوصا مع وجود الاستقطاب الحاد بين الحزبين، الذي تغذيه وتؤججه ووسائل إعلام منحازة لكلا الطرفين. كما أن تولي شخص لا يتمتع بخبرة سياسية طويلة، أعلى منصب في الدولة، هو خطر على النظام السياسي لأي دولة، ناهيك عن أعظم دولة في الكون. غير أن النظام السياسي أظهر مناعة قوية ضد استغلاله لأهداف شخصية، ولكنه بحاجة إلى مزيد من التحصين والرصانة كي لا يجرؤ أحد في المستقبل على التجاوز عليه. وأحسب أن قوانين جديدة أو تعديلات للدستور الأمريكي سوف تسن في المستقبل كي تحافظ عليه من الاستغلال والتدخل.
حميد الكفائي