الزيدية في التاريخ: الثورة على الظلم وجواز إمامة المفضول بوجود الفاضل
الكتاب: الحياة السياسية والفكرية للزيدية في المشرق الإسلامي
المؤلف: أحمد شوقي إبراهيم العمرجي
الناشر: مكتبة مدبولي- القاهرة
العام 2000
عدد الصفحات 320
جريدة الحياة، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2000
نشأت فرقة الزيدية في بداية القرن الثاني الهجري، أو الثامن الميلادي، عندما اختلف الأخوان محمد الباقر وزيد، نجلا الإمام زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، حول الإمامة.
فقد رأى الإمام زيد ضرورة الخروج على الأمويين الذين ظلموا الناس وكانت حياتهم مليئة بالمجون والاهتمام بأمور الدنيا، بينما رأى أخوه الباقر أن الخروج على الأمويين لم يكن في محله وفضل الانصراف إلى الشؤون الدينية والفقهية.
ومنذ ذلك الوقت سمي أتباع زيد بن علي بالزيدية بينما سمي اتباع أخيه الباقر بالإمامية، أو الجعفرية نسبة إلى ابنه جعفر الصادق.
ولد زيد بن علي بالمدينة عام ثمانين للهجرة ونشأ إبان العصر الأموي الذي كان حافلا بالأحداث السياسية والتغيرات الاجتماعية التي أثَّرت في حياته وفكره، إذ تحولت الخلافة في العهد الأموي إلى ملك موروث عندما خالف معاوية بن أبي سفيان ما تعارف عليه الناس منذ نشأة الخلافة، عندما أوصى بالخلافة من بعده لابنه يزيد.
تعتبر الزيدية من أهم فرق الشيعة، بعد الإمامية أو الإثنى عشرية، أو الجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق، والذين أطلق عليهم أيضا اسم الرافضة لأنهم رفضوا اتّباع زيد بن علي في دعوته ضد الأمويين، وكان ذلك في رأي الإمام زيد مخالفة لمذهب أهل البيت في الأصول وفي التبري والتولي، ويقال إن الذي سماهم الرافضة هو الإمام زيد نفسه لكن هناك من يعارض هذا الرأي. أما الفرقة الثالثة المهمة من فرق الشيعة فهي الإسماعيلية.
عندما أعلن الإمام زيد بن علي دعوته ضد الأمويين بايعه خمسة عشر ألف شخص من شيعة العراق، وخرج بهم زيد لمحاربة والي بني أمية على العراق يوسف الثقفي، وعند اشتداد المعارك اشترط بعضهم على الإمام زيد أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، اللذين اعتبرهما الشيعة ظالمين لجده علي بن أبي طالب، مقابل استمرار تأييدهم له، لكن زيد رفض التبرؤ من أبو بكر وعمر، وقال “رحمهما الله فقد كانا وزيري جدي رسول الله، حكما بكتاب الله وسنة رسوله، وإنني إنما خرجت على بني أمية الذين قتلوا جدي الحسين وأغاروا على المدينة يوم الحرة وضربوا بيت الله بالمنجنيق”، وعندها فارقوه.
كان زيد من عظماء أهل البيت، علما وزهدا وورعا وشجاعة ولينا وكرما، وكان يتمتع بشجاعة أدبية فائقة دفعته لقول الحق وألا يخشى فيه لومة لائم حتى في أحلك الأوقات وأشدها حاجة إلى المداراة، حين جاءه من يريد النيل من عمر وأبي بكر، أثناء حربه مع الأمويين، فأعلن براءته ممن تبرأ منهما. كما دفعته شجاعته إلى رفض مبدأ التقية الذي كان يعمل به الشيعة آنذاك، إذ كان يقول رأيه مهما كان الثمن.
“كان مهيبا آتاه الله قوة في الجسم بقدر ما آتاه قوة في العقل وحكمة في الفعل وحياء كحياء النبيين وكان هشام بن عبد الملك يهرب من لقائه وعندما أراد أن يهينه في المجلس نال من أمه السندية كما يتكلم السفهاء، فرد عليه زيد فأفحمه، حتى قال هشام: والله ما هلك قوم منهم زيد بن علي”.
وقد قال الإمام أبو حنيفة إنه “لم يرَ في زمانه أفقه من زيد بن علي ولا أعلم ولا أسرع جوابا فقد كان منقطع النظير”، بينما أمر أخوه محمد الباقر الناس بمبايعته وقال مخاطبا إياه: “أنجبت أمك يا زيد، وقال عنه ابن أخيه جعفر الصادق عندما سمع بنبأ مقتله: “ذهب ولله زيد بن علي كما ذهب علي بن أبي طالب والحسن والحسين شهيدا إلى الجنة”.
تتلمذ زيد على يد أبيه علي زين العابدين، الابن الوحيد المتبقي للإمام الحسين بن علي بعد واقعة كربلاء التي قتل فيها كل أبنائه وذويه وأصحابه على أيدي جيش يزيد بن معاوية سنة 60 للهجرة، “وكان زين العابدين عالما بالحديث لكثرة من أخذ عنهم من الصحابة والتابعين بالإضافة إلى اشتغاله بالفقه”.
كما تلقى زيد العلم عن أخيه محمد الباقر الذي قال عنه عبد الله بن عطاء إنه “لم يرَ العلماء عند أحد أصغر منهم إلا عند أبي جعفر بن محمد الباقر”، كذلك أخذ العلم عن كبار علماء عصره مثل عبد الرحمن بن أبي ليلى وسفيان الثوري وأبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير بن العوام وواصل بن عطاء وأبي حنيفة النعمان بن ثابت.
أجمع أئمة الحديث على إمامة زيد بن علي واعترفوا له بالثقة والأمانة واعتبروا إسناده من أوثق الأسانيد، فيقول عنه الذهبي إنه “كان ذا علم وصلاح وجلال” ويصفه السبتي بأنه “من أفاضل أهل البيت” ويقول عنه بن عساكر إنه “سيد الهاشميين في المدينة”.
وقد روى عن زيد بن علي كل من جعفر الصادق والزهري وشعبة بن الحجاج وعبد الرحمن بن عبد الله أبي الزناد وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش وبسام الصيرفي وغيرهم، وأخرج له الترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه وأحمد بن حنبل في مسنده.
كان لزيد أربعة أبناء هم الحسين ومحمد ويحيى وعيسى، الذي لقب بمُيَتّم الأشبال وكان عالما كبيرا سكن العراق ولا يزال أحفاده هناك يعرفون بالسادة الزيدية، أما يحيى فقد قاد الحركة الزيدية بعد أبيه وكان له أتباع كثيرون تمكن في فترة من الفترات أن يهزم الجيش العباسي.
خلّف زيد وراءه أرثا فكريا كبيرا حتى أصبح مذهبه واسع الانتشار في العديد من البلدان، وقامت العديد من الثورات والدول باسمه وسعت إلى تطبيق أفكاره. ويمكن اعتبار الخروج على الظالم وإمامة المفضول مع وجود الفاضل من أهم المبادئ التي سعى زيد إلى تطبيقها والتي لا يزال أتباعه يؤمنون بها حتى اليوم.
ووفق الفكر الزيدي، فإن مبدأ الخروج على الظالم يضمن استمرار الحكم العادل، بينما يجنب مبدأ جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل الأمة النزاعات التي تحصل دائما بسبب اعتقاد البعض بأفضلية هذا الحاكم على ذاك. كما أن مبدأ جواز خروج إمامين في وقت واحد، الذي يؤمن به الزيدية، يقود إلى نبذ الفرقة التي قد تحدث بسبب التصادم بين أتباع الإمامين.
يؤمن الزيدية بأن عليا هو أفضل الناس بعد النبي محمد، وأَولاهم بالإمامة، لكنهم أيضا يُقرّون بصحة خلافة أبي بكر وعمر، لأنها تمت برضا علي الذي سلم الأمر لهما راضيا وترك حقه راغبا، وهم يرون أن على المسلمين أن يرضوا بما رضي به علي. ويبدو هذا الرأي منطقيا ومعقولا من الناحية التاريخية، بالإضافة إلى كونه مبدأ جامعا للمسلمين سنة وشيعة.
خرج من بعد زيد بن علي ابنه يحيى ثم بعد ذلك محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب الملقب بذي النفس الزكية، الذي قيل إن زيدا أوصى له بالإمامة من بعده. وقد استقطب ذو النفس الزكية إلى دعوته كبار الفقهاء من أمثال الأمام الأكبر أبي حنيفة والإمام مالك بن أنس، الذي أجاز الخروج على بيعة المنصور “لأنها كانت غصبا”.
تعددت فرق الزيدية بعد مقتل الإمام زيد ومنها الجارودية والصباحية والصالحية والجريرية والقاسمية والهادوية والناصرية والعقبية والنعيمية واليعقوبية.
كما برز من الزيدية علماء كبار من أمثال يحيى بن الحسين والقاسم الرسي والصاحب بن عباد، تركوا آثارا أدبية وفقهية متميزة. ولكثرة ثورات الزيدية في التاريخ فإن المؤلف يستنتج أنه “إذا تباهى أهل كل دين بشهدائهم فللمسلمين أن يتباهوا على الأمم بشهداء الزيدية”.
تعتبر الزيدية أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة إذ يوافق مذهبهم مذهب الإمام أبو حنيفة النعمان في كثير من أحكامه، وقد يعود السبب في ذلك إلى العلاقة الوثيقة بين الإمام زيد والإمام أبو حنيفة. للمذهب الزيدي خمسة مبادئ هي التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما أن للمذهب خمسة أصول هي إمامة المفضول مع وجود الأفضل، وأن يكون الإمام من أولاد فاطمة، وشرط الخروج في صحة الإمامة، وجواز خروج إمامين في وقت واحد ووجوب طاعتهما، والقول بعدم عصمة الأئمة وهذا المبدأ يعارض مبدأ الإمامية القائل بعصمة الأئمة الأثني عشر.
يعتبر كتاب الزيدية في المشرق الإسلامي للدكتور أحمد شوقي إبراهيم العمرجي بحثا تاريخيا قيما بذل فيه جهدا كبيرا رغم أنه لا يخلو من هفوات هنا وهناك، بعضها وقع سهوا والبعض الآخر ربما يعود إلى محاولة تغطية كل شيء عن الزيدية في كتاب متواضع. لقد خلط الكاتب في بعض المواضع بين الزيدية والإمامية كما حصل في حديثه عن الإمام علي بن موسى الرضا وهو الإمام السابع عند الإمامية، كما أخطأ في ص 170 في اعتبار محمد بن الحنفية أخا لزيد وهو أخا لجده الحسين ولم يكن حيا في عهد زيد. لم يبحث الكاتب كثيرا في الخلاف بين الزيدية والإمامية، بينما يعتبر ذلك الخلاف سببا لنشوء الزيدية وتميزها عن باقي فرق الشيعة وأهم نقطة جديرة بالبحث.