ديمقراطية التمزيق والإشاعة
تحتدم المعركة الانتخابية بين الكيانات السياسية العراقية المشاركة منذ إعلان المفوضية العليا للانتخابات بدء الحملة الانتخابية في الأول من تشرين الثاني، وقد استبشرنا خيرا في البدء بأن تكون الممارسات الانتخابية هذه المرة عادلة ومنسجمة مع الزخم الديمقراطي في البلاد ومتفقة مع قواعد اللعبة الانتخابية التي أقرها القانون ووافق عليها الجميع. ومما زاد من تفاؤلنا بالخير والعدالة إعلان مراجع الإسلام العظام وعلى رأسهم سماحة السيد علي السيستاني حفظه الله، أنهم لن يتدخلوا في الانتخابات لصالح أي كيان سياسي ولن ينصحوا الناخب بالتصويت لهذه القائمة أو تلك بل يتركون هذا الخيار للناخب العراقي نفسه. وكان أملنا أن يلتزم الجميع، خصوصا لمن يعلن ليل نهار أنه يسير بهدي المرجعية ويتبع نهجها الرشيد، بموقف المراجع العظام هذا.
إلا أنه وبعد أيام قلائل بدأ البعض يطلق الإشاعات هنا وهناك بأنه صحيح أن المرجعية محايدة إلا أنها “تنصح بعدم التصويت” لهذه القائمة أو تلك (مع ذكر اسم قائمة منافسة والحمد لله أنهم لم يذكروا اسم قائمتنا بسوء) أو أنها تنصح بعدم التصويت للكيانات الفردية “خشية تشتيت الأصوات”. المرجعية، أعلى الله مقامها، أعلنت مرارا أنها تقف مع كل الخيرين الساعين لإعمار العراق ولا تقف مع حزب معين دون آخر أو قائمة دون أخرى، كما أعلن سماحة السيد مقتدى الصدر أيضا أنه يشجع جميع العراقيين على المشاركة في الانتخابات والتصويت لكنه يقف على الحياد. لكن بعض الأخوان لا يزالون يصرون على قسر الناخب على التصويت لهم بأي وسيلة كانت. ونحن إذ نتقدم لخدمة الشعب العراقي وندخل هذه الانتخابات، نود القول إننا من السباقين لنصرة هذا الشعب وخوض غمار العمل الجهادي ضد نظام صدام الإرهابي، ولم نتوقف يوما عن الجهاد في سبيل الله والوطن ويعلم كل أخواننا في التيار الإسلامي تاريخنا في الجهاد معهم منذ أواخر السبعينات حتى الآن ولم نفتُر في نصرة الحق يوما وسنبقى هكذا أوفياء لمبادئنا وللمظلومين من أبناء شعبنا ولشهدائنا الأبرار وفي مقدمتهم الشهيدان الصدران والشيخ عارف البصري وشهداء قبضة الهدى رضوان الله تعالى عليهم، وكل من استشهد على أيدى النظام الجائر الساقط.
نقول لإخوانا الأعزاء بكل هدوء، وبعيدا عن الصخب الانتخابي، يا أخواننا الأعزاء، سيصوت لكم الكثيرون طوعا لأنهم مقتنعون بكم وببرنامجكم الانتخابي أو لإيمانهم بأنكم ستقودون البلاد نحو التقدم والاستقرار أو لأنكم ستحققون طموحهم في العيش الكريم أو لأي سبب آخر، فلماذا تحاولون الحصول على أصوات هي ليست لكم؟ هل تعتقدون أن ذلك في صالح البلد أم في صالح الإسلام أم ماذا؟ وأين هي الديمقراطية والعدالة التي ينادي بها الجميع؟ ألا ترون أن الشعب العراقي شعب متنوع وهناك الآن مئتان وثمانية وعشرون كيانا سياسيا كلها تريد الفوز في الانتخابات فلماذا تريدون أن تحرموا الآخرين من استحقاقاتهم الانتخابية؟ لا الديمقراطية التي يدعى الجميع الإيمان بها ولا الإسلام الذي هو دين الجميع وموضع إجلال الجميع، يبيحان الاستيلاء على أصوات الغير دون وجه حق، فاتقوا الله وحاولوا إقناع الناخب بالتصويت لكم من خلال تبني برامج انتخابية عملية تضع حلولا لمشاكله الكثيرة وهي الأمن الآخذ في التدهور والفساد الإداري الذي بلغ مستويات تهدد بانهيار الدولة كليا، والخدمات التي تدهورت إلى أبعد الحدود وأصبح حصول المواطن على الكهرباء دون انقطاع حلما من أحلامه، والبطالة التي ارتفعت في المناطق الفقيرة إلى مستويات تهدد بتفكيك المجتمع، والحصة التمونية التي ساءت موادها وانقطع بعضها لأشهر، والضمان الاجتماعي للعاطلين عن العمل والمرضى والأرامل والأيتام وعوائل الشهداء، غير المتوفر حاليا. نعم هذه هي القضايا المهمة التي تواجه الإنسان العراقي اليوم وكل من يتقدم لخدمة الناس عليه أن يجد حلولا لمشاكل الناس ويجب أن لا ينسى أن الناخب الآن لديه تجربة ويعرف كل الخطابات والأساليب التي تستخدم لإغرائه بالتصويت بهذا الاتجاه أو ذاك.
المشكلة الأخرى التي تواجه الكيانات السياسية هي قيام نفر من الناس (ولأسباب شخصية ربما) بتمزيق صور وبوسترات وملصقات وإعلانات القوائم المنافسة، وهناك أشخاص في بعض المناطق يجوبون الشوارع وشغلهم الشاغل هو تمزيق الملصقات المنافسة علنا ودون خجل أو خوف من أحد. نحن طبعا لا نستطيع أن نجزم أنهم من أنصار هذه القائمة أو تلك لكننا نستطيع التعرف على ولاءاتهم السياسية من خلال الملصقات التي يستثنونها من التمزيق. هل يعلم هؤلاء أن عملهم هذا حرام يغضب الباري عزوجل؟ وبإمكانهم أن يسألوا العلماء الأعلام عن ذلك، وهو اعتداء على حق الآخرين في تبيان مواقفهم للناس كي يختاروا بين المرشحين والقوائم؟ وأين هي المفوضية المستقلة عن هذه الممارسات غير القانونية؟ أم هي آخر من يعلم؟ ثم لماذا يعتقد هؤلاء أن بالإمكان كسب الانتخابات عن طريق تغييب الآخرين؟ وهل يعتقدون فعلا أن مثل هذه الأساليب سوف تنطلي على الناس وتكسب ودهم؟ إنها تهدد ليس بنسف مستقبل هؤلاء السياسي فحسب بل قد تثير الناس ضد متبنياتهم الفكرية وهذا ما نخشاه فعلا. نحن في نهاية المطاف أخوة في الدين والوطن والقومية والنضال والمعاناة ونحن جميعا نسعى لخدمة هذه البلد وهذه الأمة ونسعى لمرضاة الله سبحانه وتعالى “ولا يطاع الله من حيث يعصى” كما يقول الحديث الشريف. فرأفة بالعراقيين أيها “الديمقراطيون” فوالله لن يغفروا ولن يستجيبوا للذين يسلكون طرقا غير عادلة في الوصول إلى السلطة، ورأفة بالتنوع الشديد في المجتمع، ورأفة بأنفسكم أنتم لأن الناس لن ترضى عنكم إن بقيتم تلجأون إلى مثل هذه الأساليب غير العادلة حتى وإن كنتم تعتقدون بأن الآخرين الذين تزيلون إعلاناتهم الانتخابية يستحقون مثل هذه المعاملة منكم (ولا يجرمنّكم شنآن قوم أن لا تعدلوا، أعدلوا هو أقرب للتقوى. صدق الله العلي العظيم).
حميد الكفائي
صحيفة المجتمع الديمقراطي
كانون الأول 2005