هل تعلمنا شيئاً من رؤية صدام حسين يلتهم معارضيه؟ من قراره توجيه «ضربة خاصة» الى حلبجة؟ من مغامرته المجنونة باحتلال الكويت؟ من مكابرته بعد احكام الطوق الدولي حول بلاده؟ من تعريضها لنير الاحتلال؟ من مرافعاته الكئيبة امام المحكمة؟ من التفاف الحبل حول عنقه؟ من جثته تتدلى في بلاد منهكة؟
هل تعلمنا شيئاً من رؤية القذافي يرتكب مذبحة سجن ابو سليم؟ ويرسل جلاوزته ومأجوريه لمطاردة «الكلاب الضالة»؟ من المتفجرات التي كان يرسلها عبر سفاراته في كل اتجاه؟ من مهرجانات الهذيان التي كان يستطيبها؟ من قواته التي ارسلها الى اوغندا وتشاد؟ من تبديده الارواح والاموال؟ من حلمه بشطب بنغازي من الخريطة واعتباره المحتجين مجرد ادوات في ايدي الدول الكبرى التي تتآمر على الجماهيرية العظمى؟ من توسله الى «الجرذان» كي يبقوه حياً؟.
هل تعلمنا شيئاً من فرار زين العابدين بن علي تاركاً القصر والاختام؟ تاركاً البلاد التي كان يحصي انفاسها؟ ووزراء الداخلية الذين كانوا يطبخون له سلفاً نتائج الانتخابات؟ والتقارير التي كانت توهمه ان الشعب يحبه وان كارهيه حفنة مأجورة من دعاة الظلام؟
هل تعلمنا شيئاً من رؤية علي عبد الله صالح يغادر القصر الذي استعذب الاقامة فيه وتسلى على مدار ثلاثة عقود بالرقص فوق رؤوس الافاعي؟ وهل توقفنا عند اضطراره الى تجرع الكأس بعدما قاوم كثيراً وناور طويلاً لابعاده عن شفتيه؟
هل تعلمنا شيئاً من اصرار حسني مبارك على الاقتداء بالاهرامات في الاقامة الطويلة؟ على رفضه الادلاء بتصريح واحد يعارض فيه التوريث؟ على قبوله بتزوير الانتخابات النيابية الاخيرة للامساك بكل اوراق الحاضر والمستقبل؟ من رؤيته يتجرع مرارة التنحي؟ من مشهد نقله الى قفص الاتهام على حمالة؟ من استماعه الى حكم المؤبد الصادر بحقه؟ ومعاندته في الطائرة التي اقلته الى سجن طرة؟ ومن غضب الناس على الحكم «المخفف» بحقه ومن البراءة لنجليه؟
هل تعلمنا شيئاً من خطورة النوم على حرير التقارير؟ التقارير التي يدبجها قادة الاجهزة الامنية للقول انهم العيون الساهرة وان الوضع تحت السيطرة وممتاز؟ وأن الشعب لا يطالب بأكثر من بقاء الرئيس راعياً وقائداً وخلاصاً؟ هل تعلمنا شيئاً من مباخر المستشارين المطبوخة بالجبن والولاء الاعمى؟. هل تعلمنا شيئاً ام اعتبرنا ما رأيناه مجرد مشاهد عابرة لا تلزمنا بفتح النوافذ لتفادي الهاوية؟
تلك الاسئلة سمعتها من سياسي عربي «متقاعد» من بلد منكوب. دار الحديث عن المعارضين جثة جثة. عن المواطنين الذين تبخروا في عهد القائد. عن المقابر الجماعية والبلايين الضائعة. عن قدرة الحاكم على استباحة البلاد والعباد. عن بلاد تعيش عارية من الدستور والقانون وتكتفي بالقائد التاريخي ثروة وضمانة ووسادة وبيرقاً. عن بلاد يأخذها القائد معه الى الهاوية حين يصادر منه قصره ونبضه.
قال السياسي ان الحاكم المطلق الصلاحيات يفقد سريعاً علاقته بالواقع والناس. يصبح التاريخ محاوره الوحيد. وقال ان الحاكم نفسه يتوهم فعلاً ان الشعب يحبه. لهذا يعتبر كل مطالبة بإصلاح نوعاً من التخريب وكل دعوة الى التغيير خيانة ومؤامرة.
طال الحديث الى ان استولى الليل على باريس. قال السياسي انه يحسد من ولدوا في تلك المدينة. قبل اسابيع كان اسم الرئيس نيكولا ساركوزي وصار اسمه فرنسوا هولاند. انحنى الاول لصناديق الاقتراع وغادر مع كارلا. لم يتحصن في الأليزيه مع انصاره او ابناء عشيرته. لم يقطع الطرق ولم يطلق النار. هذا هو السر. المؤسسات واحترام الدستور والشفافية ورقابة الرأي العام. ذهب رئيس وجاء رئيس وبقيت المؤسسات تعمل. ومن أفضل ما قاله الرئيس الجديد انه يريد ان يكون رئيساً طبيعياً يعمل في ظل الدستور والقانون.
قال السياسي انه يتابع الصحف الفرنسية والبريطانية. الفرنسية تحكي حالياً عن نتائج زيارة فلاديمير بوتين الى فرنسا وتنشر صوراً وشهادات عن مجزرة الحولة. والبريطانية تحكي عن برنامج الاحتفالات بمرور ستين عاماً على تولي الملكة اليزابيت الثانية العرش وتنشر ايضاً صوراً موجعة من سورية وتعقد مقارنات مع مشاهد يوغوسلافية. دول تعمل وتنتج وتراكم وتنتخب وتعارض وتحتفل ودول تئن وتموت وتتفكك وتنتحر وتتسابق صور مجازرها على الشاشات. أعرب عن قلقه على سورية بسبب «اصرارها على عدم الالتفات الى تجارب الآخرين والتعامل معها كمشاهد عابرة».