عاصمة الثقافة العربية تخلو من منطقة سياحية
مجلة الهدى: 25 كانون الثاني 2014
في كل مدينة زرتها في العالم، وجدت فيها منطقة سياحية مميزة تعكس صورة جميلة عن تلك المدينة وعن البلد ككل إن كانت تلك المدينة هي العاصمة. ومن مميزات هذه المنطقة أنها معروفة، وعندما تطلب من سائق أو دليل أن يدلك عليها، فهو يعرف بالضبط أين يوجهك…
في واشنطن هناك المنطقة الواقعة بين (دو بونت سيركول وواشنطن سيركول) وكذلك منطقة لافانت بلازا حيث المتاحف والنُصُب والمعارض العلمية، وفي نيويورك هناك شارع (برودوَي) وساحة (تايمز سكوير) في منطقة منهاتن وفي لندن هناك المنطقة الواقعة بين (ماربل آرتش و أكسفورد سيركوس حتى ساحة بكاديلي سيركوس وساحة الطرف الأغر)، وفي باريس هناك منطقة قوس النصر (آرك ديتريومف) وشارع (الشانزليزيه)، وفي روما هناك ساحات (بيازا نافونا) و(فونتانا دي تريفي) و(بيازا فينيزيا) و(بيازا دي بوبولو) والمنطقة المحيطة بالمنطقة الأثرية (معبد البانثيوم ومبنى الكولوسيوم وقوس قسطنطين).
وفي بكين هناك ساحة تيانِنمَن، وفي اسطنبول هناك ساحة تقسيم الشهيرة وشارع (استقلال جادة سي) ومنطقة سلطان أحمد التي تضم القصور والمساجد الأثرية، وفي القاهرة هناك منطقة ميدانيْ التحرير وطلعت حرب من جهة ثم شارع جامعة الدول العربية ومنطقة خان الخليلي حيث الجامع الأزهر ومقام الحسين، وفي بيروت هناك شارع الحمراء ومنطقتا الروشة وسوليدير وهكذا…
ويجد الزائر أن هذه المناطق منظمة ونظيفة وجاهزة لاستقبال الزائرين، عاكسة لهم صورة مصغرة وجميلة عن البلد إذ تتوفر فيها أو حولها كل متطلبات السائح من فنادق ومطاعم وحدائق وأماكن راحة وترفيه وتسوق.
كنت قبل أيام في بلغراد، عاصمة صربيا، التي كانت إلى عهد قريب ساحة حرب إذ قصفتها طائرات حلف الناتو بسبب تعنت الصرب في منحهم حق تقرير المصير لأهل البوسنة والهرسك ثم كوسوفو، اللتين انفصلتا عن يوغسلافيا السابقة وأصبحتا دولتين مستقلتين. وقبلها كانت صربيا تشكل محور جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، وهي دولة اشتراكية متواضعة القدرات. ولأنني لم أزر المدينة من قبل، فقد طلبت من سائق التكسي، الذي لا تجمعني به لغة مشتركة سوى بعض الكلمات الإنجليزية الشائعة التي فهمها لحسن حظي، أن يأخذني إلى مركز المدينة، فعرف على الفور وقال (ريبوبليكا سكوير)؟ فقلت له نعم. أخذني التكسي إلى (ساحة الجمهورية) ووجدتها ساحة جميلة تتوسط المدينة ومنها تنطلق شوارع تسوق ضخمة حديثة ما تزال أضواء وملامح أعياد الميلاد تزينها وتضفي عليها جمالا خاصا، وقد رأيت المرافق السياحية من مطاعم متنوعة ودور سينما ومسارح وفنادق متوفرة بكثرة في الشوارع المحيطة بها…
قبل ثلاثة أعوام ذهبت لزيارة مدينة بيزا الإيطالية الصغيرة وعندما خرجت من محطة القطار استقبلني سائق التكسي الأول في صف من سيارات التكسي المنتظرة متسائلا باللغة الإنجليزية (هل تريد الذهاب إلى برج بيزا المائل؟) فقلت نعم فاستقللت سيارته، وبينما أنا في السيارة سألته لماذا توقع أنني سأذهب إلى برج بيزا المائل؟ فقال “كل السياح يريدون الذهاب إلى برج بيزا ولا أظنك مختلفا عنهم”!!! وكان على حق فلا أعرف شيئا عن بيزا سوى ذلك البرج الذي استغرق إنشاؤه 226 عاما، من عام 1173 حتى 1399 والذي عانى منذ سني إنشائه الأولى من انهيارات أرضية كادت توقعه لولا أعمال الترميم التي تواصلت فيه حتى عام 2001 من أجل إنقاذه وجعله آمنا. لقد أصبح هذا البرج، أنشئ في مكان يدعى (ساحة المعجزات) التي تضم مجمع كاتدرائية بيزا، من أهم المواقع التي يزورها السياح في إيطاليا سنويا بل هو المَعْلَم الوحيد الذي يستحق الزيارة في مدينة بيزا الصغيرة.
نأتي إلى عاصمتنا العتيدة بغداد التي كادت معالمُها الجميلة، الحديثة منها والتاريخية، تختفي وراء كتل الإسمنت الواقية من المتفجرات، بل وحتى المناطق غير المحمية أصبحت مهملة ولا تتمتع بأي حيوية. لو أن سائحا طلب من سائق أن يوصله إلى مركز بغداد، فإلى أين سيأخذه يا ترى؟ بالتأكيد لا يستطيع أن يأخذه إلى المنطقة الخضراء لأنها قلعة حصينة لا يدخلها إلا من لديه أذن رسمي بالدخول. المعلم الأول الذي يمكن التفكير به هو ساحة التحرير التي ينتصب وسطها نُصب الحرية للفنان الخالد جواد سليم. ولكن ماذا بعد هذا النصب المميز؟ هل هناك أي معالم سياحية قرب الساحة؟ هل هناك حديقة عامة، ولو صغيرة، فيها أشجار وأرائك خشبية عامة للراحة؟ هل هناك بركة أو نافورة جميلة مثلا؟ هل توجد فنادق ومطاعم مطلة على الساحة؟ هل الأسواق المحيطة بالساحة مناسبة ولائقة بعاصمة كبيرة وعريقة مثل بغداد؟ وهل الأرصفة مهيأة للسير أم أنها أصبحت أسواقا متنقلة ومواقف للسيارات؟ الأسئلة كثيرة ولا أحد يستطيع الإجابة عنها سوى أمين بغداد ومحافظها ومجلس محافظتها.
إن كانت ساحة التحرير هي مركز بغداد السياحي فلماذا بقي حي (البتاوين) المطل عليها متهرئا يعاني من الإهمال بل لا يكاد هناك حي في العراق كله يضاهيه بالرداءة والتهالك؟ هل يليق ببغداد أن يبقى هذا الحي على هذه الشاكلة المعيبة التي تفتقر إلى الإنسانية؟ وهل بقاء أحياء مثل (الشواكة) المطلة على نهر دجلة في الجانب المقابل لشارع المتنبي الشهير بهذا الشكل المتهالك والخطير يليق بأي مدينة؟ ناهيك عن بغداد التي ملأ اسمها عنان السماء لأكثر من ألف عام؟ هل صعب حقا على أمانة بغداد إصلاح هذه الأحياء المتهالكة في شوارع الرشيد والسعدون والخلفاء وساحة الخلاني والكيلاني وجعلها تليق بالقرن الحادي والعشرين كي تشكل منطقة سياحية في بغداد؟ ويتكرر السؤال: لماذا لا تهتم الأمانة بمركز بغداد وقلبها الذي يؤمه كل قادم إليها، عراقيا كان أم أجنبيا، وتوفر له الحد الأدنى من متطلبات العصر من منظر لائق وخدمات وبنى أساسية؟
لقد سعينا وبذلنا جهودا كبيرة كي تكون بغداد عاصمة للثقافة العربية، لكننا لم نرتقِ ببغداد لأن تكون عاصمة للعراق، كباقي عواصم الدنيا، ناهيك أن تكون عاصمة للثقافة العربية. لم يعد الانتظار مبررا، فقد انتظرنا طويلا، وهذه الذكرى الحادية عشرة للتغير على الأبواب. نريد منطقة وسط بغداد أن تكون لائقة بها وبنا ومنتمية للعصر الذي نعيشه. نريد من أمين بغداد الجديد أن يسجل إنجازا شخصيا يترك بصمة على بغداد ألا وهو ترميم مركز العاصمة بشكل يليق بمدينة عريقة كانت يوما عاصمة الشرق بأسره.
حميد الكفائي