في المجتمعات المتطورة، يصوت الناخبون على أساس البرامج الانتخابية للأحزاب، والتي عادة ما تتفاوت في ما بينها حسب رؤاها المختلفة لمشاكل البلد وسبل تطويره ورفاهية شعبه وكيفية حل مشاكله، وحسب الأولويات التي توضع في العادة وفق مصالح الشرائح الاجتماعية التي تتوقع الأحزاب أنها ستصوت لها في الانتخابات.
الأحزاب التي تمثل الشرائح الفقيرة تضع في أولوياتها السياسات التي تخدم تلك الشرائح وهي في العادة توفير الوظائف وتحسين خدمات الصحة العامة والتعليم والخدمات الأساسية الأخرى. أما الأحزاب التي تخدم الشرائح الأكثر ثراء فهي الأخرى تضع في حسبانها مصالح تلك الشرائح التي ستصوت لها في الانتخابات وهي في الغالب خفض الضرائب وإبقاء أجور العمال منخفضة وإطلاق العنان للتنافس بين الشركات وخفض معدل التضخم الذي يقلص من القدرة الشرائية للعملة في حال ارتفاعه عن معدل معين، ودعم سيادة القانون ومعاقبة المتجاوزين عليه وما إلى ذلك مما يؤثر على مصالحها.
هذا لا يعني أن الشرائح الأخرى لا تهتم لسيادة القانون وخفض معدل التضخم، لكن أولوياتها مختلفة لأن التضخم يؤثر في العادة على الأثرياء، أما الفقير فلا يفقد كثيرا لأنه أساسا لا يملك غير مصدر رزقه المحدود لذلك فإن خسارته من ارتفاع معدل التضخم قليلا ستكون أقل كثيرا من الثري.
الناخب في البلدان المتطورة يبحث في العادة عن الحزب أو المرشح الذي يخدم مصلحته الشخصية أو مصلحة منطقته أو مصلحة الشريحة المجتمعية التي ينتمي إليها وهو يجتهد في سبيل معرفة أي الأحزاب يخدم مصلحته أفضل من غيره. الولاء هو للمصلحة والإدارة الكفوءة للاقتصاد التي تقود إلى الرخاء والرفاهية، وليس لشيء آخر، لذلك ترى أن الناخبين يغيرون آراءهم بالأحزاب من انتخابات لأخرى حسب تغير ظروفهم، فالناخب الذي تتغير ظروف حياته نحو الأفضل يغير ولاءه من حزب لآخر. فمن تتحسن ظروفه المعاشية ويكسب مزيدا من الأموال، يتحول تأييده من الحزب الذي يمثل الشرائح الفقيرة، الذي كان يصوت له سابقا، إلى الحزب الذي يمكنه من تحسين ظروفه الاقتصادية الجديدة أو يحافظ عليها، كأن يكون الحزب الذي يفرض ضرائب أقل عليه، والعكس صحيح.
لكن بعض الناخبين لديهم أولويات غير الاقتصاد، خصوصا إذا كانوا يواجهون تهديدات أخرى غير اقتصادية لحياتهم، كأن تكون أمنية أو خارجية، أو إذا كانت الأحزاب المتنافسة لا تختلف في معالجتها للقضايا الملحة عندهم. على سبيل المثال، الناخبون البروتستانت في مقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة، وهم الغالبية في المقاطعة، كانوا يصوتون إلى أحزاب محلية يمينية متحالفة مع حزب المحافظين البريطاني، والسبب هو أنهم يخشون من أن تسمح الأحزاب اليسارية بانضمام مقاطعتهم إلى جمهورية أيرلندا ذات الأغلبية الكاثوليكية والتي يخشون من التهميش فيها، وهم يفضلون البقاء ضمن المملكة المتحدة ذات الأغلبية البروتستانتية. هذا الوضع كان سائدا في السابق أما الآن فقد تغيرت توجهاتهم السياسية وأصبحت أكثر هدوءا من السابق بعد سيادة السلام والاستقرار في المقاطعة منذ عشرين عاما تقريبا ومشاركة الكاثوليك في الحكم. كذلك فإن انضمام كل من بريطانيا وأيرلندا إلى الاتحاد الأوروبي قد خفف من المنافسات المحلية بين الطائفتين وأصبحت اهتمامات السكان اقتصادية بحتة.
العراقيون مقبلون على انتخابات مهمة في الثلاثين من شهر نيسان المقبل ومن الضروري أن يسعى الناخبون إلى تحديد مواقفهم من الآن وحتى يوم الاقتراع، كيف سيصوتون وما هي الأسس التي سيبنون عليها مواقفهم وخياراتهم الانتخابية. هناك قضايا ملحة يجب أن تحظى بأولوية عند الناخب ومنها محاربة الإرهاب وتوفير الأمن والوظائف للعاطلين وزيادة الرواتب وتحسين أداء المستشفيات العراقية المتدني وبناء المدارس وتوفير المزيد من المعلمين الأكفاء وتعبيد الطرق ومد أنابيب الصرف الصحي في المدن، وإن نسينا أمرا فلا يمكن نسيان الكهرباء التي مازالت تؤرق معظم السكان وإحدى أهم القضايا التي يسعى الناخبون إلى التأكيد عليها.
هناك من سيبقى يصوت للجهة التي صوَّت لها سابقا، ربما لأنه لم يجد خيارا أفضل أو لأن ولاءه لذلك الحزب أو القائمة لم يتغير، لكن آخرين سوف يغيرون خياراتهم حسب ظروفهم الحياتية ومستجداتهم السياسية. لا شك أن الناخب العراقي قد أصبح أكثر تطورا من الدورات السابقة ولابد أنه يبحث الآن عن الأحزاب والقوائم والمرشحين الذين سيخدمون مصالحه ومصلحة البلد ككل.
ومن القضايا التي يجب أن ينتبه إليها الناخب في الانتخابات العامة هي صلاحيات النواب وقدراتهم على التغيير وسجل المنتخبين منهم سابقا خلال السنوات الأربع المقبلة. هناك قضايا محلية تعالجها الحكومات المحلية ويجب ألا تأخذ هذه القضايا حيزا في تفكير الناخب لأن عضو البرلمان لن يستطيع أن يحلها بل هي من اختصاص الحكومة المحلية التي انتخبت في العام الماضي.
رأينا في الانتخابات السابقة أن بعض المرشحين اطلقوا وعودا غير عملية ولم يكونوا قادرين على الإيفاء بها وهدفهم من ذلك هو كسب الأصوات على حساب المرشحين الآخرين الذين يصدقون في شعاراتهم الانتخابية. يجب أن ينتبه الناخب إلى مثل هذه الوعود التي لن يتمكن مطلقوها من تنفيذها لأنها أساسا ليست ضمن صلاحياتهم. بعض المرشحين سيلجأ إلى العشيرة كي يحصل على الأصوات، والبعض الآخر ربما يلجأ إلى إطلاق شعارات طائفية تهدف إلى استقطاب بعض الناخبين الذين تستهويهم مثل هذه الشعارات. لكن الناخب الواعي هو الناخب الذي يميز بين الشعارات الحقيقية والوعود التي يمكن تنفيذها ويهمل تلك التي تهدف إلى إيهامه وجعله يصوت إلى مرشحين قد لا يمثلون توجهاته تمثيلا حقيقيا ولا يخدمون مصالحه.