يخشى السياسيون في العراق أن يعزف الناخبون العراقيون عن التصويت في الانتخابات المقبلة المقررة في الثلاثين من نيسان (أبريل) بنسب كبيرة، ما يعرّض الكثيرين منهم لخطر التهميش أو حتى الخروج من العملية السياسية.
وسبب عزوف الناخبين هو الملل والإحباط وخيبة الأمل التي أصابت المجتمع العراقي نتيجة التناحر السياسي والفشل الذي ساد الكثير من جوانب الحياة، ابتداء من الأمن المتدهور، انتقالاً إلى البطالة المتفاقمة، إلى الخدمات المتدنية والبنى الأساسية المتهرئة التي لا تصلح لدولة حديثة.
وعلى رغم أن الحكومة الحالية هي حكومة شراكة وطنية، تشكلت أواخر ٢٠١٠ باتفاق كل القوى المشاركة في العملية السياسية، إلا أن بعض أطرافها لم تتعاون معها لاحقاً، بل أخذت تضع العصي في عجلتها بهدف إفشالها ثم التخلص من الخصوم السياسيين عبر منعهم من تحقيق أي نجاح.
الأطراف التي لم تتعاون لها أسبابها. فاتفاق أربيل لم يُنفذ كلياً، بل بقيت بعض بنوده مثار خلاف بين الفرقاء السياسيين، ما عطّل تنفــيذها. وأول هــذه البــنود هو تشكيل مجلس السياسات العليا الذي اتفق على أن تناط رئاسته برئيـــس الوزراء السابق إياد علاوي، إذ بــقي البرلمان يناقش لفترة طويلة إن كان سيصوّت على رئاسة هذا المجلس أو أنه سيصوّت على تشكيله فقط ويترك الرئاسة تنتخب من جانب الأعضاء. وانتهى الأمر بتخلي الدكتور علاوي عن رغبته في ترؤس هذا المجلس ليتوقف الحديث عنه كلياً.
الأمر الآخر الذي فرّق القوى السياسية وزاد من تناحرها، مسألة نائب الرئيس، طارق الهاشمي، الذي اتُهم بالوقوف وراء أعمال إرهابية، ما اضطره إلى الهرب إلى تركيا ليُحكم عليه غيابياً بالإعدام. والهاشمي كان زعيم قائمة التجديد المنضوية في إطار القائمة العراقية، وقد عُيِّن نائباً لرئيس الجمهورية كاستحقاق لقائمته وطائفته في الحكومة، لكنه لم ينسجم مع القوى الرئيسة المهيمنة على الحكومة حتى في الدورة السابقة.
لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت اعتقال أحد أفراد حماية وزير المالية رافع العيساوي، وهو أحد قادة القائمة العراقية، بتهمة التنسيق مع أفراد حماية الهاشمي في تدبير أعمال إرهابية في العراق، ما أزعج الوزير وجعله يغادر الحكومة ويعود إلى محافظة الأنبار ويحض أنصاره في المناطق الغربية على تنظيم اعتصامات ضدها دامت عاماً كاملاً حتى فُرِّقت الشهر الماضي أثناء دخول الجيش إلى الرمادي لملاحقة عناصر تنظيم «داعش» المسؤول عن تنفيذ أعمال إرهابية في مختلف مناطق العراق.
الانتخابات الماضية لم تسفر عن فائز واضح، على رغم أن القائمة العراقية المكونة من تشكيلات سياسية عدة غير متجانسة، قد حصلت على ٩١ مقعداً، أكثر مما حصلت عليه قائمة دولة القـــانون بمقعــــدين. لكن المحكمة الاتحادية أجازت تشـــكيل التحالفات بعد الانتخابات، ما مــكّن رئيس الوزراء نوري المالكــي مـــن إعـــادة تشكيل الائتلاف الشــيعي (التحالف الوطني) من جديد ليبلغ عدد مــقاعده ١٥٩ مـــقعداً. وقد تمكن بعد جهد جهيد من تشكيل الحكومة الحالية وقيادتها.
لكن القائمة العراقية تشتتت لاحقاً إلى قوائم عدة، بعضها مؤيد لرئيس الوزراء مثل «العراقية البيضاء» و «العراقية الحرة». أما المكونات الأخرى فشاركت في الحكومة، وأصبح رئيس جبهة الحوار، صالح المطلك، نائباً لرئيس الوزراء، بينما شاركت كتلة «الحل» بوزيرين، و «الوفاق» بوزير واحد وكتلة «المستقبل» بوزير المالية رافع العيساوي. لكن استقالة وزيري الاتصالات والمالية واتهام نائب الرئيس بالإرهاب ثم هروبه من العراق وعدم حصول علاوي على منصب رئيس مجلس السياسات العليا وعدم اتفاق الكتل السياسية على تعيين وزيرين للدفاع والداخلية، قد زعزعت أركان الحكومة وزادت من شدة المعارضة لها، ما جعلها تتعثر في أداء واجباتها.
لم تتمكن الحكومة من تمرير قوانين مهمة في البرلمان، باستثناء قانون التقاعد المثير للجدال، بسبب التناحر السياسي بين أطرافها أنفسهم ومع خصومها في البرلمان. قانون البنى التحتية لم يُمرَّر، وكذلك قانونا الأحزاب والنفط والغاز. لذلك، فإن الناخب العراقي يشعر بأن إصراره السابق على التصويت في ظروف صعبة وخطرة لم يأتِ له بالنتائج التي كان يرجوها فأخذ يشعر بأن تصويته أو عدمه سيان، لأن كليهما لن يغير شيئاً، «فالوجوه والسياسات هي نفسها» على ما يقول كثيرون.
هذا العزوف المحتمل يقلق الكثير من السياسيين ويهدد العملية السياسية ويجعلها عرضة للاهتزاز والتراجع. فإن كان المواطن لا يشعر بأن الانتخابات ستأتي بتغيير إيجابي لحياته، فكيف يمكن العملية السياسية أن تستمر وتتطور؟ هناك الآن محاولات عدة، غالبيتها من جهات سياسية، تهدف إلى تحفيز الناخب على التصويت وإقناعه بأن تصويته في هذه المرة سيُحدِث تغييراً لأنه أصبح في الإمكان الآن تشكيل حكومة غالبية سياسية فعالة وليس ائتلافية ضعيفة كما حصل في الدورتين السابقتين.
الأمر المقلق الآخر تدهور الوضع الأمني في بعض المناطق تدهوراً خطيراً، وخصوصاً في محافظة الأنبار بسبب سيطرة جماعة «داعش» الإرهابية على بعض المناطق فيها ونزوح عشرات الآلاف من السكان إلى مناطق أخرى، فكيف يمكن إجراء الانتخابات في هذه المحافظة بعد شهرين؟ فإن أُجِّلتْ في هذه المحافظة، وهذا هو المرجح، كيف يمكن تشكيل البرلمان والحكومة المقبلين في غياب نواب هذه المحافظة؟
بعض الدول، كالبرازيل، تفرض عقوبة مالية على من يُعرِض عن التصويت، وقد دفع هذا القانون الناخبين إلى الإقبال على التصويت بنسب مرتفعة. ربما يضطر العراق أن يفعل الشيء نفسه كي يضمن مشاركة فاعلة في الانتخابات في ضوء مشاعر الإحباط واليأس وعدم الثقة بمعظم السياسيين التي تجتاح الشارع العراقي حالياً.
يجب القول إن السياسيين ساهموا في خلق هذه الأجواء بسبب نزوعهم إلى تسقيط بعضهم بعضاً. لقد خلقوا هذه الأجواء الشعبية المعادية لهم وعليهم ابتكار علاج عاجل لها، وقد يكون ذلك عبر الالتزام الحرفي بالقوانين والضوابط والاعتراف علناً بالخطأ والاستقالة من المنصب والتخلي عنه طوعاً لآخرين كي يشعر الناخب بأن هناك بناة دولة حقيقيين وليس طلاب مناصب باحثين عن سلطة وامتيازات.
http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/794051/انتخابات-عراقية-وسط-كلّ-هذا-الإرهاب-والإحباط؟