نلتقي لأول مرة منذ ٣٤ عاما…. لكنني أتذكره كلما تذكرت سني الدراسة لأنه ترك أثرا في لم يتركه أستاذ قبله أو بعده. كان لا يمل ولا يكل من التدريس. ينتهي الدوام فيبدأ دروسا إضافية مجانية لمن يرغب بالاستزادة بل كان يفرض علينا أن نأتي بعد الدوام لنتعلم. كان يخرج من بيته صباحا ليعود مساء بعد أن أمضى النهار وجزءا من الليل في تدريس مادة الرياضيات التي أحبها… طوال خدمته التي امتدت ٤٥ عاما، لم يأخذ إجازة حتى يوما واحدا، سواء لمرض أو لمجرد الراحة. أتى ذات يوم إلى الدرس وكان خده متورما إذ كان يعاني من ألم في سنه. فاحتججنا عليه أنه أتى إلى العمل رغم مرضه، حرصا منا على راحته، لكنه قال: يا جماعة لا استطيع أن اجلس في البيت وأنا أعرف أن هناك من هو بحاجة إلي. أمضى ٢٥ عاما في التدريس وعشرين عاما في الإشراف التربوي ومازال يعمل بنشاط … بحثت عنه اليوم فوجدته يعمل في معهد ابن رشد في الديوانية بعد أن تقاعد من العمل في الدولة. جلسنا نتحدث لنصف ساعة من الزمن عن ذكريات الماضي وقد ذكرته بحكاياه وطرائفه… قدر زيارتي له وقال: “إنكم جيل لا يتكرر. كان عدد طلاب الصف ٣٠ طالبا، لكنني دائما أجد فيه ٣٥ أو أكثر، لأن هناك من يريد أن يستزيد من الصفوف الأخرى فيأتي إلى الدروس دون أن يكون ملزَما بذلك… أما الآن فإنك لا تجد حتى نصف عدد الطلاب المسجلين رسميا”.
إنه الأستاذ الأسطورة طلال هاتف… هذا الرجل لن يتكرر فعلا… ألف تحية لرجل يحب العمل أكثر من أي شيء في حياته. تحية لرجل له فضل على الأجيال في محافظة الديوانية منذ ستينيات القرن الماضي وحتى الآن. تحية لرجل صار عنوانا للمثابرة والجد والحرص على تعليم الآخرين…