مجلة الهدى
منذ أحد عشر عاما والعراق كله، باستثناء الإقليم، يخضع لحظر التجوال بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحا، والسبب الرسمي لذلك هو الاحتراز والوقاية من الأعمال الإرهابية. إلا أن حظر التجوال هذا لم يمنع وقوع الأعمال الإرهابية، وها نحن نستيقظ كل صباح لنسمع بسيارة مفخخة تنفجر هنا وحزام ناسف يُفجر هناك، في بغداد والكثير من المحافظات العراقية الأخرى.
حظر التجوال له تأثيرات سلبية على حياة المواطنين فهو يفرض على الجميع إنهاء معظم الفعاليات والنشاطات الاجتماعية والتجارية بحدود الساعة العاشرة ليلا من أجل أن يترك العاملون والمتسوقون والمستمتعون بوقت الفراغ في المساء وقتا كافيا للعودة إلى منازلهم قبل بدئه. وتكاد الشوارع تخلو من أي مظهر من مظاهر الحياة بعد الساعة الحادية عشرة مساء بسبب هذا الإجراء الذي فُرض سابقا ونسيه المسؤولون ولم يحاولوا إلغاءه وتخليص الناس من متاعبه.
إن هذا القيد على حياة الناس ونشاطاتهم قد أصبح ثقيلا خصوصا وأنه لا تلوح في الأفق أي بوادر لإزالته أو تخفيف وطأته. فبالإضافة إلى عرقلته معظم فعاليات الحياة ونشاطاتها فإنه يزيد من الزحامات المرورية في النهار مما يؤخر أعمال الناس ويضيع وقتها. كذلك فإن أعمال التعبيد أو الحفر التي عادة ما تجري في الليل في بلدان أخرى تجري في النهار مما يزيد الأمور تعقيدا والزحام زحاما.
مثل هذا القيد على الحياة العامة للعراقيين لا يساعد على التنمية الاقتصادية في البلد ولا يخلق أجواء اجتماعية جميلة يستمتع بها العراقيون مساء خصوصا أيام العطل التي يريد كثيرون منهم أن يمضوا أوقاتا أطول خارج المنزل للترفيه عن أنفسهم، سواء في المطاعم والمقاهي والمحال التجارية والأسواق العملاقة والأماكن الترفيهية أو في دور السينما والمسارح وباقي النشاطات الفنية والاجتماعية.
في كثير من البلدان تحدث الكثير من الإنجازات الأمنية بعد منتصف الليل، فالشرطة وأجهزة الأمن تتمكن من رصد الكثير من التحركات المشبوهة في هذه الفترة بسبب قلة المتجولين في هذا الوقت المتأخر وإمكانية رصد أي تحرك مشبوه بسهولة أكبر في الليل من ساعات النهار المزدحمة التي يختفي فيها الكثير من المجرمين والمشبوهين والسراق بسبب صعوبة تفتيش ملايين الناس المتنقلة بين المناطق والشوارع. لقد اكتشفت الشرطة في دول أخرى الكثير من الجرائم أو الخطط الإجرامية أثناء تحقيقاتها مع المشبوهين الذين تمسك بهم في الأوقات المتأخرة من الليل والتي يحاولون فيها تخطيط أو تنفيذ مخططاتهم.
الكثير من الجرائم يخطط لها مساء في وقت ينام فيه معظم الناس، لكن رجال الأمن ليسوا غافلين في العادة، بل يعملون في هذه الفترة ويسهرون على أمن الناس وراحتهم طوال الوقت. لذلك فإن هذه فرصة لا تُعوَّض لرجال الأمن لملاحقة المشبوهين والإمساك بهم، بدلا من فرض حظر التجوال عليهم ودفعهم لأن يخططوا وينفذوا جرائمهم وسط الزحام حيث يصعب الرصد ويختلط الحابل بالنابل. فلماذا يا ترى تضيِّع أجهزتنا الأمنية هذه الفرصة الثمينة لاصطياد المجرمين والمشبوهين في فترات الليل عندما يكون معظم الناس العاديين قد استقروا في منازلهم؟
بقاء حظر التجوال إلى ما لا نهاية في العراق أمر مزعج لكثير من المواطنين بل هو مضر بالمصلحة العامة والاقتصاد الوطني ولا يحقق أي هدف أمني بل قد يكون العكس صحيحا إذ يمكن خدمة الأمن من خلال رفع الحظر وإطلاق أيدي الأجهزة الأمنية في المساء لملاحقة المجرمين والمشبوهين، فارحموا الناس يا من بإيديهم الحل والعقد وألغوا حظر التجوال نهائيا لأنه اصبح عبئا على حياتنا ولم يحقق الأهداف المرجوة منه.