كم حاول الإرهابيون استفزازنا كي ندخل في حروب عبثية مع أنفسنا، لكننا صمدنا ولم تنطلِ علينا ألاعيبُهم الخبيثة. الشعب العراقي شعب واحد رغم التنوع الشديد والثقافات المختلفة والمذاهب والأديان المتعددة التي يتَّبعها أبناؤه.
التنوع مصدرُ ثراء ودليل على التمدن والتحضر وهو منتشر في معظم بلدان العالم حتى تلك التي لا تتمتع بتأريخ طويل. الشعوب قليلة التنوع هي الشعوب التي لم تتمتع بالتسامح والحرية في تأريخها القديم ولم يسُد فيها وئام مجتمعي أو تسامح إنساني، فلم يسمح الأقوياء فيها للضعفاء أن يمارسوا حرياتهم الدينية والثقافية والقومية فسادت بينها ثقافة واحدة ودين واحد ومذهب واحد وهي في الغالب ثقافة ودين ومذهب القوي المستبد.
يمر شعبنا هذه الأيام بامتحان صعب ويواجه تحديات كبيرة وخطيرة. هناك هجمة إرهابية شرسة تشنها قوى الظلام ضدنا وهذه الهجمة تستهدف وجودنا جميعا، فلا يظنن أحدنا أنه في مأمن منها. السنة كما الشيعة والكرد والتركمان كما العرب، كلهم مهددون بوجودهم وحرياتهم وثقافاتهم وأديانهم ومذاهبهم. وقد رأينا كيف تصرف إرهابيو القاعدة وداعش وغيرها من قوى الشر في الموصل من الذين يتشدقون بالإسلام والإسلام منهم براء. فلم يسلم من همجيتهم لا الأضرحة السُنّية ولا المساجد والحسينيات الشيعية ولا الكنائس المسيحية والمعابد الأيزيدية ولا حتى الآثار التأريخية التي تقف شامخة في الموصل منذ آلاف السنين واحترمتها كل الأقوام والأديان والحكومات على مر التأريخ. إنهم يشنّون حربا علينا جميعا وواجبنا أن نتوحد ونستعد ونواجه بكل ما أوتينا من قوة كي نحافظ على وجودنا وكرامتنا وحرياتنا.
علينا ألا ندعهم يستفزوننا ويجعلوننا نفكر أنهم مع فئة ضد أخرى، فهم ضدنا جميعا وهم لا ينتمون إلى أي مذهب من المذاهب الإسلامية التي نعرفها. إنهم يحملون ثقافة غريبة هي ثقافة الكراهية والإقصاء والتدمير والخراب. ثقافة القتل والإلغاء والضيق بالآخر. إنها طبائع همجية لم تسُد حتى في المجتمعات البدائية التي كانت تحترم بعضها البعض وتتعايش في ما بينها، وهي ثقافة لا تمُت لأي دين في الأرض، فالأديان كلها تبشر بالأخوّة والتسامح والقبول بالآخر، ولم ينتشر أي دين أو مذهب بالإرهاب والقسر بل بالحكمة والموعظة الحسنة والسيرة الصالحة. فحذار يا أخوتي من أن يستفزكم أحد وتتصوروا أن شراذم الإرهابيين ينتمون إلى طائفة أو مذهب معين، حتى وإن رأيتم بعض من يدعي الانتماء إلى طائفة معينة يبرر أفعالهم أو يدافع عنهم بطريقة أو بأخرى ويلوم هذا أو ذاك.
الإرهابيون ليسوا منا ومخطئ من يعتقد أنهم ينتمون إلى أي طائفة أو مذهب غير مذهب الشر والدمار. لذلك يجب ألا نحسبهم على مذهب أو طائفة معينة من مذاهبنا وطوائفنا المحترمة المتعايشة مع بعضها منذ مئات وآلاف السنين. إنهم ينتمون إلى مذهب الإرهاب والشر والكراهية الذي لا علاقة له بأي دين سماوي مقدس أو مبدأ إنساني محترم. إنهم يتشدقون بالإسلام والإسلام منهم براء فلا ينطلِ علينا تشدقُهم. إنها فقاعة همجية وسوف تنتهي ويبقى العراق بشيعته وسنته ومسيحييه وأيزيديه وصابئته وعربه وكرده وتركمانه وآشوريه وكلدانه. لكن علينا أن نعلم أننا لن نهزِم موجة الإرهاب والكراهية الحالية إلا بمزيد من الوحدة والتلاحم والوئام والتسامح ونبذ الخلافات وكل ما يثير الفرقة والتناحر بيننا. التشدد ليس حلا والتطرف إنزلاق في مهاوي الردى وهروب من الرمضاء إلى النار.