عندما حظرت وزارة الاتصالات الفيسبوك وتويتر وباقي وسائل التواصل الاجتماعي، كالفايبر وواتس آب وغيرها، في منتصف حزيران الماضي، كلنا تفهمنا هذا الإجراء رغم صرامته وامتثلنا له مدركين أن فيه مصلحة للعراقيين جميعا وهي محاربة الإرهاب ومنع الإرهابيين من التواصل في ما بينهم، والذي يهدف في الأساس إلى إيذاء العراقيين جميعا ومن خلفهم العالم أجمع، فالإرهاب ليس صديقا لأحد من البشر أو الحيوانات أو النباتات وإنما هو عدو للحياة والنظام والعلم والإيمان.
وبمرور الزمن تطورت وسائل تقنية لخرق هذا الحظر وأصبح كثيرون يستخدمون الفيسبوك في العراق بفضل برنامج (في بي أن) الذي يجعل المتصفح وكأنه يفتح الفيسبوك من بلد آخر غير العراق. شخصيا امتثلت للحظر ولم افتح الفيسبوك طوال الفترة التي فرض فيها، ولم استخدم هذا البرنامج المتاح للجميع لأنني اعتبرته غير قانوني ولا يجوز لي أن استخدمه. وعند سفري أخيرا خارج العراق، فتحت الفيسبوك من هناك وإذا بي أجد معظم أصدقائي العراقيين وقد فتحوه بشكل عادي وتواصلوا مع بعضهم وباقي العالم كما كانوا يفعلون سابقا. وكان بين المستخدمين مسؤولون في الدولة! تساءلت مع نفسي: ما الهدف إذن من فرض هذا “الحظر” الرسمي للفيسبوك وتويتر إن كان بوسع الجميع خرقه؟
معظم الذين يريدون استخدام الفيسبوك يستخدمونه حاليا بكل سهولة كما كانوا يفعلون سابقا، أما الإرهابيون، فلا تعدمهم الوسيلة لخرق هذا الحظر فهم متمرسون في التكنلوجيا الحديثة و”يبدعون” أيما إبداع في ابتكار وسائل إيذاء خصومهم من باقي بني البشر والحيوان والنبات.
الحظر ربما أضر الإرهابيين في البداية لأنه منعهم من التواصل فيما بينهم ليوم أو يومين، لكن استمراره لا يضر بهم أو بكثيرين غيرهم مع وجود برامج كسر الحظر التي مكّنت الجميع من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. المتضرر الوحيد من هذا الحظر إذن هو الممتثلون للقانون ومطبقوه. فهل يا ترى هذا هو القصد من فرض الحظر ابتداءً؟
الفيسبوك وتويتر وباقي وسائل التواصل الاجتماعي المجانية لها فوائد كثيرة فهي تديم التواصل بين الناس وتنقل لهم الأخبار (الصحيحة منها والكاذبة) وهو وسيلة للتنوير والترفيه والتعلم وتبادل المعلومات. كثيرون يستخدمونها لتسهيل أعمالهم والترويج لها، أي أنهم يحصلون على مردود مادي من استخدامها. حظر هذه الوسائل، إذن، يضر الناس جميعا وهذا بالتأكيد ليس ما قصدته وزارة الاتصالات عندما فرضت الحظر. ويمكن القول إن الإرهابيين سيستفيدون من استمرار الحظر لأن أي ضرر يلحق بالمجتمع يُعتبر فائدة لهم خصوصا وأنهم لم يجهِدوا أنفسهم في خلق هذا الضرر لأنه متحقق دون جهد منهم، وهذا يجعلهم يبحثون عن أفكار أخرى لإيذاء المجتمع وإرباك الأمن والنظام والحكومة وتعطيل أعمال الناس.
إن كان الفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى تستخدم لبث الإشاعات، فإن بالإمكان استخدام ذات الوسائل لنفيها وتفنيدها، وإن كان يستخدم لتضليل الناس، فإن بالإمكان استخدامها لتنويرهم وتثقيفهم، وإن كانت تستخدم لتثبيط عزائم المواطنين فإن بالإمكان استخدامها لشحذ هممهم ورفع معنوياتهم، ولا ننسى أن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في أعمال الخير هم الغالبية ومستخدموها في الشر والضرر أقلية.
فوائد وسائل التواصل الاجتماعي لا تعد ولا تحصى، خصوصا في العراق الذي يعاني من مشاكل كثيرة بينها انقطاع التيار الكهربائي وتردي الخدمات وفرض حظر التجوال بعد منتصف الليل. لذلك فإن حظرها أصبح ضررا كليا يضاف إلى الأضرار الأخرى التي يتلقاها المجتمع كل يوم بسبب الإرهاب، فرأفة بالعراقيين يا وزارة الاتصالات. ارفعوا الحظر عن وسائل التواصل الاجتماعي ودعوا الناس يستفيدون ويتواصلون ويرفهون عن أنفسهم، ولا تدعوا باقي الدول تهزأ منا ومن الحريات المتاحة لدينا بالقول إننا في عهد الديمقراطية لم نعد قادرين على استخدام حتى وسائل التواصل الاجتماعي المتوفرة حتى في أكثر بلدان العالم تخلفا. الكل يعلم أن لا فائدة ترتجى من هذا الحظر فلماذا الإصرار عليه؟