داعش حركة إرهابية خارجة على الدين والقانون والقيم الإنسانية، وهذا ما لا يشك فيه أحد، ومثلها القاعدة والنصرة وبوكو حرام وغيرها من حركات الإجرام والتشدد التي تعمل باسم الدين. لكن السؤال الأهم هو من الذي أقنع الآلاف من الشباب في العالم الإسلامي أن بإمكانهم الذهاب إلى الجنة والاستمتاع بكل ما فيها من متع بمجرد قتل الناس وترويع الأطفال والنساء؟ من الذي قال لهم إن الرسول الكريم (ص) سوف يستقبلهم و(يتغدى) أو (يتعشى) أو (يفطر) معهم حال تفجير أنفسهم في الاسواق والمساجد والمدارس والدوائر وأماكن العمل؟
هناك فقه ديني منحرف يقف وراء هذه الأعمال الإجرامية ويبررها ويجد لها الفتاوى والأسس الدينية كي يقبلها الشباب ويقْدِموا عليها ويضحوا من أجلها، وما لم يتحد العالم في تشخيص هذا الفكر الإجرامي وإيقافه عن إجازة هذه الجرائم وتبريرها باسم الدين فإن داعش وأخواتها وأمثالها ستبقى معنا إلى فترة طويلة.
لقد اعترف الباحث السعودي المرموق حسن فرحان المالكي يوم 7/8/2014 في برنامج ساعة حرة على قناة الحرة الأمريكية أن هذه الجماعات الإرهابية تستند إلى الفكر الوهابي في جرائمها وأن هناك حاجة ماسة لأن يتحرك السنة المعتدلون، وهم الغالبية، لإيقاف هؤلاء من التحدث باسمهم. كما دعا الدول العربية إلى إغلاق الفضائيات التي وصفها بـ (قنوات الفتنة) التي تبث الفكر المتشدد وتدعو إلى تكفير أتباع الأديان والفرق الإسلامية الأخرى.
كما دان الداعية الإسلامي المعروف عدنان إبراهيم المقيم في النمسا جرائم داعش وقال إنها لا تمت إلى الإسلام بصلة. وأضاف أن علماء الدين الحقيقيين يدعون إلى التقارب والتفاهم مع أتباع الأديان الأخرى فما بالك بالمسلمين الشيعة الذين قال إنهم “أحرار في اتباع مذهبهم كما نحن أبناء السُنّة أحرار في اتباع مذاهبنا”.
هناك مجرمون يحملون راية الإسلام زورا ويختفون تحت الزي الديني لتمرير أفكارهم المنحرفة وهؤلاء أعاثوا فسادا في العالم منذ عشرين عاما على الأقل وأصدروا الفتاوى التي تجيز قتل الأبرياء وقتل الشيعة والمسيحيين والأيزيديين والصابئة وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى، بل أجازوا حتى قتل السُنّة في العراق كما فعل أبو مصعب الزرقاوي الذي قال في إحدى رسائله (لتجرِ أنهار من الدماء لإيقاظ السُنّة النائمين!). فالسنة في العراق (نائمون) في رأي الزرقاوي لأنهم لم ينخرطوا في حربه الطائفية المجنونة. بلدان العالم المتحضر لاحقت هؤلاء المجرمين وكثيرون منهم قتلوا بينما يقبع آخرون في السجون في أمريكا وأوروبا، لكن العالم العربي والإسلامي ما زال متسامحا معهم ومترددا في ملاحقتهم ومقاضاتهم لمجرد أنهم يرتدون الزي الديني ويدعون أنهم رجال دين والأديان السماوية منهم براء.
في الجزائر قتل الإرهابيون 120 ألف إنسان بريء في التسعينات واتضح أن تلك المجازر التي ارتكبها أدعياء الإسلام هناك قد استندت إلى فتوى أطلقها رجل دين أردني يقيم في لندن إذ أجاز هذا المعتوه قتل النساء والاطفال الأبرياء!!! وقد قاضته الحكومة البريطانية وأمضى في السجن عددا من السنين ثم سُلِّم إلى الأردن حيث يقبع في سجونها حاليا. هذا ليس رجل دين وإنما قاتل جماعي وهو وأمثاله يجب ألا يكون لهم مكان خارج السجون المُحْكَمة كي نحمي بني البشر من جرائمهم وشرورهم.
إن أردنا أن نتخلص من الإرهاب ونهزمه كليا فعلينا أن نهزم (الفكر) الذي يجيز قتل الناس لمجرد أنهم يتبعون مذاهب أخرى ويؤمنون بمعتقدات مختلفة. يجب اجتثاث هذا الفكر ومراقبة الدروس والخطب التي يطلقها المتحدثون باسم الدين ومقاضاة كل من يطلق فكرا اقصائيا متشددا أو يدعو إلى القتل وإزهاق الأرواح. مثل هذا الإجراء يجب أن يكون عالميا وليس فقط في العراق لأن دول العالم أصبحت الآن مرتبطة ببعضها البعض بسبب وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، فإن مُنِعَ الفكر المتشدد في بلد معين فإن بإمكانه أن ينطلق عبر الفضائيات والفيسبوك وتويتر إلى البلدان الأخرى.
يجب أن يسعى العراق، باعتباره المتضرر الأكبر في العالم من أعمال الإرهاب التي تنفذ باسم الدين، إلى عقد مؤتمر دولي توضع فيه الأسس والاتفاقيات الضرورية لمحاربة الفكر المتشدد وتجريم كل من يعمل به أو يدعو له، ويُتفق فيه على تبادل المعلومات حول المجرمين وتحركاتهم والعمل معا على رصدهم وإحباط مشاريعهم الإجرامية قبل انطلاقها. يجب ألا يكون كل من يدعي التدين ويرتدي الزي الديني محصنا من الاعتقال والمقاضاة، فالتدين الحقيقي يتجلى في السلوك العملي، ومن كان سلوكه مخالفا لجوهر الدين لا يمكن اعتباره متدينا حقيقيا فالمسلم من سلم الناس من يده ولسانه كما يقول الحديث الشريف.