أقول هذا الكلام ولدي كلام آخر حول ممارسات وتجاوزات مماثلة وقعت خلال ولاية د. إياد علاوي وبعلمه وربما بأمر منه. فقد مورست نفس الأساليب التي يشكو منها د إياد حاليا بحق أشخاص وطنيين ومناضلين وأكفاء لمجرد أنهم اختلفوا معه أو مع أفراد مقربين منه، وقد أقصي العديد من الأشخاص عن مناصبهم دون وجه حق بل دون ذكر الأسباب. كما إن التعيينات في عهده كانت تجري أيضا وفقا للولاءات السياسية والصداقات أو “القرابات” الشخصية وقد عين أشخاصا لا خبرة أو معرفة لهم بالمجالات التي عينوا فيها، وهذه كلمة أقولها كشاهد على العصر وليس لي قصد من ورائها غير قول الحقيقة، وأعتقد أن صديقيْ العزيزين الأستاذين الكريمين سعد صالح جبر وحسين درويش العادلي يعرفانني جيدا ويعرفان أنني لم تسيِّرني الأهواء والخصومات السياسية عبر تاريخي الطويل، بل بقيت طيلة عملي السياسي مستقلا ووفيا لضميري وبلدي وعلى أبعاد متساوية من القوى السياسية العراقية المختلفة، وما دخولي الانتخابات مرتين بقائمة مستقلة إلا دليل جلي ودامغ على أنني أقيِّم استقلاليتي كثيرا وأرفعها إلى حد التقديس وأرفض التبعية لأحد وقد انطلق في هذه الاستقلالية من مهنيتي في عملي الإعلامي الذي يفرض علي أن أترك أهوائي جانبا وأكون محايدا غير منحاز إلا للحقيقة أو ما أراه حقيقة. وقد دفعت ثمنا باهظا من أجل الحفاظ عل هذه الاستقلالية، وسأواصل الطريق رغم الصعوبات الكبيرة والمضايقات الكثيرة التي واجهتها خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة من قبل أشخاص كنت اعتبرهم كبارا وأصدقاء وحلفاء ورفاق درب، إلا أن التجربة العملية أرتني العجائب.
ومازال د. إياد قد سمّى شخصين تعرضا للغبن في عهد حكومة الجعفري فسأذكر له حالتين أيضا (بين حالات كثيرة) تعرض فيهما المعنيان للغبن في عهده وبنفس الطريقة التي ذكرها. الحالة الأولى تتعلق بشخص (ب م) عينه الدكتور علاوي، نفسه وليس غيره، عضوا في إحدى الهيئات الجديدة المهمة وهو رجل كفوء وقريب سياسيا من خط الدكتور إياد علاوي بل ومنسجم معه وداع له في تلك الفترة… إلا أنه، ولأسباب لا يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، وفي قرار مفاجئ ليس له مقدمات أو تبريرات، أقصي عن منصبه وأغلق مكتبه دون أن يحصل حتى على رواتبه للفترة السابقة والطريف أن أمر إقصائه تضمن أيضا عبارة “شكر” على جهوده!والحالة الثانية تتعلق بكاتب هذه السطور.. الذي استثني منصبُه كناطق لمجلس الحكم من القرار رقم 9 الخاص بمجلس الحكم والذي أصدره د إياد علاوي فور توليه رئاسة الوزراء. وكان الاستثناء مقصودا إذ كان منصب الناطق الرسمي ضمن مسودة القرار رقم 9 إلا أنه رفع من القرار بصيغته النهائية في اللحظات الأخيرة حسب ما أكد لي موظفون يعملون في الإدارة، وإن لم يكن في المسودة فالمصيبة أعظم. وكنتيجة لهذا القرار بقيت عائما دون حماية أو سكن أو وضع رسمي وتعرضت لمضايقات وإهانات كثيرة غير مبررة على مدى السنتين الماضيتين، رغم أنني تصديت للعمل الوطني في أحلك فترة ودون أي دعم من أجهزة الدولة التي لم تكن موجودة في تلك الفترة، وكانت حياتي مهددة وتعرضت لمحاولات اغتيال عديدة بسبب البروز الإعلامي والسياسي الذي تطلبه منصبي. بعدها أزيل اسمي من قائمة المرشحين لعضوية هيئة الإعلام في اللحظات الأخيرة لأسباب “غامضة” رغم أن بإمكاني أن أحللها، وقد كان اسمي في مطلع قائمة المرشحين. لم أشكُ لأحد حول الأمر ولم أسع لرفع الغبن الذي وقع علي، بل لم أتحدث به مع أحد سوى المقربين مني ومن د. إياد لأنني لم أكن راغبا في أن أسعى لقضية شخصية في وقت يتعرض فيه البلد لمخاطر جمة وتهديدات كبيرة، بالإضافة إلى أنني، ربما لحسن نية مفرط من جانبي، لم اعتبر الإجراءين موجهين ضدي شخصيا رغم أنهما كانا كذلك، لأن علاقتي بالدكتور إياد كانت حسنة جدا وقد تحدثنا كثيرا في الأيام الأخيرة لمجلس الحكم حول دور إعلامي مستقبلي لي ولا أزال احتفظ برسالة شخصية بخط يده أرسلها لي بتاريخ 29/6/2004 بعد توليه رئاسة الوزراء بيوم واحد يطلب مني أن التقي به لبحث “قضايا ذات طابع إعلامي” على حد تعبير الرسالة.
بعد عدة أشهر قام الدكتور برهم صالح، النائب الوحيد لرئيس الوزراء في تلك الفترة، بتعييني “مستشارا للثقافة والإعلام في مجلس الوزراء” وقد مارست عملي بجد وإخلاص ومثابرة واضطلعت بمهام كثيرة في تلك الفترة وسافرت إلى الخارج في مهام رسمية، إلا أنني فوجئت بعد فترة من الزمن وفوجئ الدكتور برهم أيضا، بأن الدكتور إياد علاوي شخصيا أمر بإلغاء أمر تعييني دون إعلامي بالأمر ودون تبيان الأسباب! وعندما أخبرت الدكتور برهم بذلك انزعج كثيرا وأمر بتعييني من جديد وكتب أمرا آخر بخط يده وعلى الورق الرسمي لنائب رئيس الوزراء وأعطاني إياه لأسلمه إلى الأمين العام لمجلس الوزراء آنذاك، وقد فعلت ذلك بنفسي. لم اهتم كثيرا للإجراءات الرسمية الشكلية التي قد تستغرق وقتا كي تكتمل، وبقيت أمارس دوري كمستشار لشؤون الثقافة والإعلام مرتبط بنائب رئيس الوزراء حتى نهاية حكومة الدكتور إياد علاوي، ولكن دون أن أحصل على أي امتياز بما في ذلك الراتب المخصص للمستشار. لكن أمر التعيين الجديد قد طال انتظاره مما دفع بالدكتور برهم إلى تكليف مدير مكتبه لمتابعة الأمر مرة أخرى مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وقد قيل لي وقتها إن أوراق التعيين الجديد قد “فُقدت” في مكتب رئيس الوزراء.
لم أشكُ لأحد ولم أتظلم رغم أن قرار الدكتور إياد علاوي كان قاسيا ومجحفا بحقي، بل وغير قانوني وتسبب في إيذائي شخصيا وعرض حياتي للخطر، وسبب سكوتي على هذا الظلم هو أنني رفضت أن انشغل بقضية قد يعتبرها آخرون شخصية في وقت يحترق فيه العراق على أيدي الإرهابيين والمفسدين الذين كنت أرى أن من واجبنا جميعا أن نقف صفا واحدا ضدهم، لا أن ننشغل بأمور جانبية أو شخصية، رغم أنها مهمة لأنها تؤسس لمسار خاطئ في الدولة العراقية الجديدة. وبقيت انتظر فرصة أخرى لخدمة العراق، وقد وجدتها في خوض الانتخابات، وقد خضتها بحماس وإيجابية ولم يكن ليلهيني عنها أي قرار يتعلق بدرجة وظيفية أو امتياز حكومي. الدكتور (ب م)، وهو الشخص الذي عينه د إياد، قدم شكوى رسمية ضد قرار إقصائه من منصبه فور صدوره وتابع الشكوى حسب الإجراءات القانونية المتبعة وانتظر سبعة أشهر حتى أعيد إلى وظيفته نهاية الصيف الماضي واعتبر قرار إقصائه غير قانوني. أما أنا فلم أسلك الطريق الرسمي في الشكوى الذي يتطلب أن اعترض على قرار الدكتور علاوي خلال شهرين من صدوره، والسبب هو كما ذكرت آنفا أنني ترفعت عن الاهتمام بالأمور الشخصية من أجل المصلحة العامة وكي لا أسبب أي إحراج للدكتور علاوي آملا أن يأتي اليوم الذي يُصحح فيه الموقف. وبعد تولي الدكتور الجعفري رئاسة الوزراء كتبت له حول الأمر مطالبا بإعادة درجتي الوظيفية السابقة أسوة بالآخرين، إلا أنه تجاهل رسائلي كلها ولم يرد عليها سلبا أو إيجابا رغم أن بعضها قد سلم له من قبل وزراء في حكومته، وأحسب أن سبب رفض الجعفري إعادة درجتي الوظيفية هو سياسي أيضا، إذ تعرضت في عهده لمضايقات كثيرة لا يتسع هذا المقال لذكرها، وكانت تهدف إلى إيذائي وإعاقة عملي السياسي، وأحسب أنه شخصيا يعلم بها لأنني أرسلت له رسالة وأخبرت عددا من مساعديه. لم أكن أتوقع ذلك من الدكتور الجعفري الذي أعرفه ويعرفني معرفة تفصيلية وشخصية لثمانية عشر عاما، كما لم أكن أتوقع ما فعله الدكتور علاوي من قبل، وكنت دائما ولا أزال أتساءل مع نفسي: أهكذا يعامل من يتفانى في خدمة الوطن ويترفع عن الأمور الشخصية من قبل رجال الدولة الجديدة؟ ولماذا كل هذه الإجراءات التعسفية بحق شخص تصدى معكم للعمل الوطني؟ ولا أجد جوابا سوى التعسف. إنها المشكلة العراقية الأزلية: التعسف في استخدام السلطة والتهور في محاربة الخصوم والإفراط في مكافأة الأتباع والانجرار وراء الأهواء. لا شك أن الزمن كفيل بكشف حقائق أخرى، ولابد أن يعود الحق لأهله يوما فأنا لا أزال مؤمنا أن الدولة الديمقراطية العراقية الجديدة سوف تنهض يوما، ربما ليس قريبا، لكنها ستنهض بجهود رجال ونساء مخلصين آخرين مترفعين عن كل ما هو شخصي مرتقين إلى مستوى رجال الدولة الحقيقيين، متفانين من أجل المصلحة العامة لا الخاصة، ولن ترحم من أساء استخدام منصبه أو قصّر في واجبه أو تجاوز على حقوق الآخرين أو استهان بهم.
إن القرارات المجحفة التي اتخذتها حكومة الجعفري بحق الأستاذ سعد صالح جبر والأستاذ حسين درويش العادلي لم تضرهما كما أضر بي قرار الدكتور إياد بإلغاء تعييني أو حذف منصبي من القرار 9، فالأستاذ سعد عضو سابق في المجلس الوطني ويتمتع بالامتيازات نفسها التي يتمتع بها باقي المسئولين السابقين وهو في سن لا يمكِّنه من العمل وهو في كل الأحوال ليس بحاجة مادية أو معنوية لأي منصب. أما الأستاذ حسين العادلي فقد عُيِّن رئيسا لتحرير مجلة “الشبكة” وبراتب ربما أكثر من السابق. وأتساءل هنا إن كنا حقا نريد تكريم المرحوم صالح جبر، كما قال د. علاوي، فلماذا نترك نجله الآخر عاطلا عن العمل، وهو محتاج فعلا إلى وظيفة؟ أليس هناك فرصة عمل يمكن أن يشغلها هذا الرجل وهو من خيرة الناس وأكثرها طيبة؟ وفي أطار تكريم المستحقين من رموزنا السابقين، لماذا لا يكرِّم الإسلاميون الشهيد عارف البصري الذي لا تزال عائلته دون راتب تقاعدي ولا يزال نجله المحامي يعمل معاون ملاحظ بعد عشرات السنين من الإقصاء والتهميش والأذى والملاحقة، في وقت يعيِّن فيه مسئولون عراقيون حراسهم الشخصيين ومرافقيهم بدرجة مستشار دون أدنى اعتبار للكفاءة؟
إن الغبن الذي تشعر به يا دكتور إياد قد وقع على كثيرين، بينهم أنا شخصيا وكان بقرار منك، ولم يكن قرارا واحدا بل عدة قرارات متتالية مجحفة وغير مبررة بل ومستغربة خصوصا وأنها أدخلتك في خلاف وجدل مع نائبك الدكتور برهم صالح عندما نقضتَ قرارَه بتعيين مستشارٍ له ووضعته في موقف محرج جدا دون أن يكون هناك ضرورة لمثل هذا الإجراء. لذلك فإن الجماعة الذين خلفوك في “السلطة” إنما ساروا على نهجك الذي رسمته لهم فلا تلم أحدا إلا نفسك يا سيادة رئيس الوزراء السابق. فقد كانت بيدك فرصة ثمينة للنهوض بالعراق وترسيخ مبادئ الديمقراطية والعدالة وجمع كل الوطنيين والمخلصين حولك، لكنك فرطت بها ربما لأنك اتبعت “نصائح” غير موفقة من مساعدين غير أكفاء أو أمناء، ومن جاء بعدك سار على نهجك، والخاسر الوحيد من جراء ذلك هو العراق وأهله وكفاءاته والمخلصون من أبنائه. أنا شخصيا لن أتأثر كثيرا لأنني أساسا لم أعد إلى العراق من أجل الحصول على وظيفة كما فعل آخرون كانوا قد فشلوا في الحصول على أي وظيفة في أي مؤسسة في العالم، وإنما عدت من أجل الخدمة والمساهمة في التغيير وتسخير ما امتلك من خبرة من أجل العراق وقد خاطرت بكل ما أملك من أجل العراق، بما في ذلك حياتي. عدت إلى العراق وتركت ورائي وظيفة مرموقة وفرصا ثمينة ومواقع إعلامية يحلم بها كثيرون، وبإمكاني الآن أن أحصل على وظيفة مرموقة ومجزية في كثير من بلدان العالم لأن لدي المؤهلات الأكاديمية والخبرة العملية المطلوبة والسمعة الطيبة والسجل المهني المتميز، لكنني كنت ولا أزال أفضل أن أخدم العراق الذي عشت طول حياتي من أجله وحاربت النظام السابق لأكثر من ثلاثين عاما من أجل أن أراه حرا ديمقراطيا. إنني لا أسعى لمكسب شخصي ولن أفعل، وأحمد الله أنني لم احتَج لأحد، لكنني أخشى أن يكون آخرون كثيرون قد وقعوا ضحايا للتعسف والإقصاء دون أن يجدوا من ينتصر لهم، ودون أن تتوفر أمامهم فرص أخرى للعمل.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2006/8/172729.htm