نجم آخر يغيب من سمائنا. فقد غيب الموت اليوم الدكتور محمد بحر العلوم، الأديب والسياسي ورجل الدين المعروف وأول رئيس لمجلس الحكم في العراق… تعرفت على إبي إبراهيم قبل ثلاثين عاما، في مركز أهل البيت الإسلامي في لندن الذي أسسه مع الراحل السيد مهدي الحكيم.
ربطتني بالسيد بحر العلوم علاقة خاصة فقد كان شخصا محببا إذ أحبه الناس جميعا لأنه متواضع وحكيم ومحب للآخرين. كان متفاعلا مع الجميع، فلم يمنعه سنه المتقدم من أن يكون صديقا حميما حتى لمن كانوا بعمر أحفاده. رافقته في سفر وحضر وتعاملت وعملت معه لسنين وقد وجدته صادقا ومخلصا وجريئا في كل أقواله وأفعاله. لن أنسى مكالمة نجله الدكتور إبراهيم بحر العلوم لي في مطلع نيسان عام ٢٠٠٣ بعد سقوط الدكتاتورية مباشرة وكنت حينها اتأهب لمغادرة لندن إلى العراق. قال لي إن السيد محمد بحر العلوم يرغب أن أرافقه في عودته إلى العراق خلال الأسابيع القليلة المقبلة. شكرته من أعماقي وقلت له إنني سأغادر إلى العراق خلال يومين وسأكون هناك في استقباله!
وقد حصل فعلا ما قلته له، إذ وصل السيد بحر العلوم إلى الكويت مطلع أيار ٢٠٠٣، وكنت هناك وقد ذهبت لزيارته في الفندق ودعوته إلى مقر إذاعة جمهورية العراق المؤقتة في الكويت وقد جاء في اليوم التالي إلى مبنى الإذاعة محتفى به رسميا كزائر رفيع المستوى وقد اجريت معه مقابلة أتمنى أن تكون موجودة في تسجيلات الإذاعة.
في مجلس الحكم، لن أنسى مساهماته وكلماته التي ما تزال ترن في أذني. لن أبوح بها الآن… سيأتي وقتها في المستقبل إن بقيت حيا ولكن سأبوح بواحدة منها الآن. سألني عندما تولى رئاسة مجلس الحكم للمرة الثانية: مولانا (كما كان يخاطبني تواضعا منه)، ما الذي استطيع أن أقدمه لك قبل أن أغادر الرئاسة؟ قلت له: لا اريد شيئا يا مولانا فلست من الساعين إلى تحقيق مكاسب شخصية. وقد حصل فعلا أنني ربما الوحيد من طاقم مجلس الحكم الذي لم يحصل حتى على سكن أو تقاعد أو درجة وظيفية مناسبة (التي مُنحت لكثيرين باستحقاق أو دونه). لا يهم فقد كانت تلك رغبتي ولست آسفا على موقفي ذاك فراحة الضمير التي أرفل بها الآن أثمن عندي من أي مكسب مادي…
رحل السيد بحر العلوم قرير العين مطمئنا وخلّف وراءه إرثا أدبيا وفكريا وسياسيا كبيرا. تعازيي القلبية الصادقة لأنجاله الثلاثة الأصدقاء الأعزاء النائب إبراهيم بحر العلوم والعلامة السيد محمد علي بحر العلوم والسفير محمد حسين بحر العلوم… وإنا لله وإنا إليه راجعون…
أثناء زيارتنا إلى اليابان ويظهر في الصورة رئيس الوزراء الباباني الأسبق كيوزومي
أثناء زيارتنا إلى الصين في نيسان عام ٢٠٠٤