مجلة الهدى-أيار ٢٠١٥
قبل أيام لام مسؤولون عراقيون، بمن فيهم رئيس الوزراء، وسائل الإعلام لترويجها أخبارا كاذبة عن ضعف الجيش العراقي ومقتل العديد من جنوده في ناظمي الثرثار والتقسيم وقالوا إن هذه الأخبار أضعفت معنويات الجيش وجعلت بعض أفراده يضعف ويتوقف عن القتال. لا شك أن هناك تأجيجا يقوم به بعض الجهات التي تمتلك وسائل إعلام أو تستطيع النفاذ عبر أخرى، ولكن ماذا فعل الجهاز الحكومي لمواجهة حملات التضليل هذه؟ أين هو طاقم الحكومة الإعلامي؟
للأسف لم تولِ هذه الحكومة الاهتمام المطلوب للإعلام وقد حذرتُ منذ البداية من هذا الوضع بحكم علاقتي التأريخية بالسيد رئيس الوزراء ومستشاريه وطاقمه وقلت لهم مرارا أن (شهر العسل) الذي تتمتع به حكومة العبادي حاليا لن يدوم طويلا وإنه لن يستغرق أكثر من ستة أشهر وقد حصل ذلك فعلا إذ بدأت الشائعات المغرضة تنتشر دون أن يكون هناك من يتعامل معها أو يفندها. ومنذ البداية طرحتُ خطة إعلامية تقوم على كشف الحقيقة للعراقيين وزيادة الشفافية والاعتراف بالخطأ والرد بسرعة على كل شائعة وتوضيح الحقائق والتفاعل الإيجابي المتواصل مع وسائل الإعلام لكن التشتت ظل سيد الموقف.
أتذكر أنني اتصلت بزملاء حريصين على العراق ولديهم خبرة واسعة في العمل الإعلامي بحكم عملهم في وسائل إعلام عالمية مرموقة وسألتهم إن كانوا مستعدين للعمل من أجل بلدهم الذي يسير نحو الهاوية وقد أبدوا استعدادهم الكامل ليس للدعاية أو الترويج لأحد بل من أجل إبراز الحقيقة الضائعة، فالحقيقة وحدها هي التي تخدم العراق وتخدم أي حكومة. الكذب ضار والكذب المضاد مساوي له في الضرر.
لقد اراد هذا الفريق الإعلامي المقترح أن يدعم العملية الديمقراطية من خلال إبراز الإيجابيات والجوانب المشرقة في العراق، إلى جانب المشاكل والمعوقات التي تعترض تطوره بالسرعة التي يرغب بها أبناؤه. أراد أن يبين الجوانب المضيئة في التجربة العراقية ومنها انتخاب السيد العبادي لرئاسة الوزراء، ليس فقط لأنه الشخص المناسب في المكان المناسب، وهو كذلك، وليس لأنه يستحق المنصب لما له من تأريخ طويل في العمل ضد الدكتاتورية والخبرة في العمل الحكومي والديمقراطي، وهذا صحيح أيضا، بل لأن التغيير كان ضروريا للإنطلاق بالعراق نحو مرحلة جديدة من الوئام والمصالحة الوطنية والبناء بعد سنوات من الشك والاحتراب والتناحر بين المكونات السياسية والقومية والطائفية والمناطقية.
لكن الحكومة تأخرت في ترتيب هذا الجانب المهم من عملها وأخذت تتخبط في تعيين أشخاص غير جديرين في المواقع التي تولوها وقد أصبح ذلك واضحا بعداستقالة الناطق الإعلامي الذي اتضح أن له خبرة في مجال آخر غير الإعلام! لقد استشارت الحكومة أشخاصا لمجرد أنهم يدعون المعرفة بالإعلام دون أن تكون لهم أي خبرة عملية فيه ولا أدري كيف يفهم المرء في الإعلام إن لم يعمل في الصحافة يوما.
العمل الإعلامي معقد ويتطلب معرفة تفصيلية تُكتسب عبر العمل مع خبراء والتدرب على أيديهم وعبر خبرة تراكمية تأتي من العمل في وسائل الإعلام المستقلة المحايدة التي بنيت على أسس صحيحة. لا يمكن أحدا أن يعرف عن الإعلام وكيفية عمل وسائله بشكل تفصيلي إن لم يعمل في وسائل إعلام مستقلة وفي مختلف صنوف الإعلام من تلفزيون وإذاعة وصحافة مكتوبة وصحف ألكترونية لفترة طويلة. ليس من المنطقي أن نكتفي بلوم وسائل الإعلام على نقلها أخبارا غير دقيقة أو مغرضة بل يجب تقديم الحقائق إلى وسائل الإعلام وبذلك نحرمها من نقل الشائعات وحينئذ يمكن أن نلومها إن تجاهلت الحقائق.