استقلال الشبكة ماليا أهم دعائم استقلالها السياسي
لابد من القول إن قانون الشبكة يجب أن يكون متكاملا ويتعاون في وضعه خبراء في الإعلام والإدارة والقانون ولا يمرر بشكل سريع دون دراسة مستفيضة لأن له تبعات خطيرة على البلد ككل وعلى حرية الإعلام والوضع السياسي والديمقراطي بأسره. ليس مبالغة القول إن مؤسسة إعلام الدولة، مهما كانت تسميتها، هي أهم مؤسسة في الدولة وقد تفوق في أهميتها مفوضية الانتخابات لأنها تشكل الرأي العام وتدخل في صميم البناء المعرفي للمواطن. واستكمالا للحلقات الثلاث الماضية، سأستعرض ما تبقى من مواد مسودة مشروع مبينا ما أراه مخلا بالقانون وعارضا البدائل التي أراها مناسبة.
المادة 9 أولا -1- تشترط أن يكون رئيس الشبكة أو الهيئة عراقيا. شخصيا لا أرى ضرورة لذلك في هذا المنصب لأنه مهني بحت وقد تكون هناك حاجة لأن يؤتى بشخص ذي كفاءة معينة لتولي المنصب وقد لا يكون هذا الشخص عراقيا لذلك لا أرى حاجة لهذا الشرط. المنصب ليس سياديا ولا سياسيا بل ينطوي على عمل مهني وهذه المؤسسات العربية والعالمية تدار من قبل مهنيين من دول أخرى وليس هناك اشتراط أن يحمل الجنسية الوطنية للدولة التي يعمل فيها لأنه، مرة أخرى، يؤدي عملا مهنيا غير منحاز. ليس لدي شك بأن شاغل المنصب سيكون عراقيا في أكثر الأحيان ولكن لا ضرورة في رأيي لاشتراط ذلك في القانون.
المادة 9/أولا/ 3 تشترط حصول شاغل المنصب على شهادة جامعية اولية وكأن الشهادة هي الأساس في القدرة على العمل والإبداع. يجب ألا يركز القانون على الشهادة بل على الخبرة. ما أسهل الحصول على الشهادة هذه الأيام لكن الخبرة، خصوصا في مجال الإعلام، لا تأتي إلا عبر سنين طويلة من العمل المهني الدؤوب والتدريب المستمر. يجب التأكيد على أن معظم العاملين في مجال الإعلام لم يدرسوا الإعلام أكاديميا بل خبروه عبر العمل والتدريب وأن الخبرة العملية تؤهل الأشخاص لأن يدرِّسوا المادة أكاديميا، أي أن الخبرة العملية تسبق المؤهلات الأكاديمية حتى عندما يتعلق الأمر بالعمل الأكاديمي. بعض الجامعات تشترط في أن يكون المتقدم لتدريس مادة الإعلام قد عمل صحفيا لفترة معينة.
المادة 9/أولا/ 4 تشترط بأن تتوفر في رئيس الشبكة “خبرة ومعرفة واهتمام في المجالات التي تتعلق بمهام وواجبات الشبكة”، لكنها لا توضح ما هي هذه المجالات، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتباينة والمتناقضة. وبما أن مسؤوليات وواجبات المنصب تشمل مجالات إعلامية وإدارية فإنه يفترض أن يشير القانون بشكل محدد إلى تمتع رئيس الشبكة بمهارات وخبرة في هذه المجالات وخدمة لا تقل عن عشر سنوات مثلا. في نهاية المطاف يجب أن يكون رئيس الشبكة أو الهيئة مقبولا للجميع بحيث أنه غير منحاز لأي جهة سياسية أو مكوناتية كي يحظى بثقة الجميع.
المادة 9/أولا/7 تنص على عدم انتماء رئيس الشبكة إلى حزب سياسي أو منظمة ترتبط بحزب سياسي خلال عمله بالشبكة وأن لا يمارس أي نشاط سياسي. هذا شرط أساسي بل يجب أن يشمل كل العاملين في المجال الصحفي في الشبكة ويضاف إليه أنه يجب ألا يُعرَف عن رئيس الشبكة أو أعضاء مجلس الإدارة أنهم أيدوا أو دعموا حزبا سياسيا بشكل علني خلال السنوات الخمس المنصرمة على الأقل. كما يجب أن يضاف إليه شرط آخر وهو عدم استغلال رئيس الشبكة أو أي من العاملين فيها منصبه للترويج لأي حزب سياسي أو عقيدة أو فكرة سياسية كانت أم غير سياسية، وإن ثُبت ذلك مهنيا بحق أي شخص فيجب استبعاده من العمل في الشبكة على الفور وفق إجراءات قانونية وإدارية شفافة.
المادة 10 تحدد مدة رئاسة الشبكة باربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة! وكأن رئاسة الشبكة منصب سياسي كي يتحدد بأربع سنوات! الأفضل ألا يكون هناك مثل هذا التحديد باستثناء وضع سقف أعلى للبقاء في المنصب لا يتجاوز عشر سنوات.
المادة 11/ثانيا تنص على أنه من بين المهام التي يضطلع بها رئيس الشبكة هي “إصدار التعليمات والأنظمة الداخلية والقرارات والأوامر لتسهيل أعمال الشبكة وتحقيق أهدافها”. ومن أجل تسهيل عمل الشبكة وانسيابيتها يجب أن يكون الرئيس قادرا على إنابة آخرين عنه للقيام بهذه المهام.
المادة 11/رابعا تنص على أن من مهام رئيس الشبكة “تعيين العاملين في الشبكة أو التعاقد معهم وإنهاء خدماتهم أو مناقلتهم وفقا لأحكام القانون ممن هم دون درجة رئيس تحرير أو مدير عام أو مدير، وإعلام مجلس الإدارة بذلك. هذه الفقرة لا تتناول من يعين من هم بدرجة رئيس تحرير أو مدير عام أو مدير. ثانيا، لا ضمانة متوفرة في هذه الفقرة بأن يأتي التعيين وفقا لمعايير مهنية. يجب أن تُسحب من رئيس الشبكة صلاحية التعيين، لأن أي فرد يمكن أن يستخدم هذه الصلاحية بشكل تعسفي ومزاجي. يجب أن تكون هناك معايير واضحة للتعيين في الشبكة تتولاها دائرة معينة وتتم عبر اختبارات مهنية ومقابلات محايدة تختبر فيها قدرات المتقدمين على أداء وظائفهم واختيار الأفضل منهم للموقع.
من الضروري إعلاء شأن العدالة والمعايير المهنية في التوظيف إن أردنا أن تكون الشبكة مهنية ومحايدة ومنصفة في تغطياتها وبرامجها وموادها. وفي النهاية فإن المهنية تعني خدمة الصالح العام لأن النظام الديمقراطي لا يعمل بشكل جيد إلا بوجود إعلام مهني ومحايد. إنها ضرورة من ضرورات الدولة الحديثة.
المادة 13/أولا تفصل في الهيكل المؤسساتي والبنيوي للشبكة وتشير إلى وجود دائرة إدارية ومالية وقانونية. إن الخلط بين ما هو إداري ومالي وقانوني هنا أمر قد يثير إرباكا في عمل الشبكة. لذلك من الأفضل الفصل بين هذه المجالات وتشكيل دائرة إدارية، تُعنى من بين ما تعنى به بشؤون الموظفين والتوظيف، ودائرة مالية، تُعنى بالمسائل المالية والمحاسبية للشبكة، ودائرة قانونية، تُعنى بالجانب القانوني من عمل الشبكة والتأكد من مطابقة المواد التي تبثها وتنشرها الشبكة للقانون. كما يجب أن تكون هناك دائرة تُعنى بالتدريب وتطوير القدرات المهنية للعاملين فهذا أمر أساسي في أي مؤسسة إعلامية كبرى لأنه يضمن تطور العاملين في الشبكة ومواكبتهم للمهارات الحديثة.
بالإضافة إلى ذلك، ليس هناك دائرة تُعنى بشؤون الإعلام الإلكتروني وهذا إغفال غريب مع وجود نص في البداية يشمل الإعلام الإلكتروني ويضعه على قدم المساواة مع الإعلام المقروء والمسموع والمرئي. يمكن التكهن بأن الإعلام الإلكتروني سيوضع ضمن دائرة الصحافة والمطبوعات. ولكن آفاق الإعلام الإلكتروني قد تجاوزت آفاق الإعلام المطبوع والمقروء وتطورت إلى مرحلة تجمع بين ما هو مرئي ومسموع ومقروء ما يجعله حقلا فريدا من نوعه وتتطلب مقتضيات مواكبة التطورات الحاصلة في مجال الإعلام الإلكتروني تخصيص دائرة خاصة بهذا الإعلام في الشبكة تشرف على موقع كبير وشامل يحتوي على كل الأخبار والبرامج والمواد العلمية والرياضية والاجتماعية وباقي المواد التي تبثها أو تنشرها الشبكة في وسائل إعلامها.
حميد الكِفائي