هل يعي البرلمان العراقي نتائج قراراته؟
مجلة الهدى-آب-٢٠١٥
يبدو أن بعض أعضاء البرلمان يعيش في عالمه الخاص لأن بعض مشاريع القرارات المطروحة لا يمكن أن يوصف إلا بالضار للعراق والمفيد لغيره. أحد هذه المشاريع هو حرمان العراقيين ممن يحملون جنسيات أخرى من شغل المواقع الإدارية. وهذا القرار بالإضافة إلى كونه يشكل ضررا فادحا وكليا للدولة، فإنه ينطوي على تمييز فاضح بين المواطنين وافتراض عدم الأمانة والنزاهة عند أكثر من خمسة ملايين عراقي ناضل معظمهم ضد دكتاتورية صدام وقمعه وتدميره للعراق والعراقيين.
هل لنا أن نقول إن متبني هذا القرار هم من أيتام النظام السابق الذين يريدون أن يثأروا ممن ناضل ضد الدكتاتورية؟
تعدد الجنسيات ظاهرة أصبحت منتشرة الآن في دول العالم وهي ضرورة من ضرورات الحياة العصرية ونتيجة طبيعية وحتمية لتطور بني البشر، والمهاجرون يتنقلون بين الدول وبعد فترة من الزمن يكتسبون جنسية البلد الذي يقيمون فيه كحق طبيعي لهم دون مقابل، وفي هذا قوة ومكسب حقيقي لهم ولبلدانهم الأصلية.
بعض الدول كالولايات المتحدة يستوعب سنويا خمسين ألف مهاجر من مختلف دول العالم عبر نظام القرعة. ويضاف إلى ذلك الآلاف من أهل الخبرة والكفاءة عبر تقديم الامتيازات والرواتب المجزية لهم. وبعض هؤلاء يتولى مناصب عليا كالألماني هنري كيسنجر الذي أصبح وزيرا للخارجية الأمريكية لثماني سنوات.
دول أوروبا تستوعب مئات الآلاف من المهاجرين سنويا عبر قوانين وإجراءات معروفة لأنها بحاجة إلى المزيد من الأيدي العاملة من أجل تنمية اقتصاداتها وتطوير مجتمعاتها وكثيرون منهم أصبحوا نواب ومسؤولين ووزراء.
الدول المتخلفة تبقى متخلفة لأنها طاردة للكفاءات تحت تبريرات واهية لم يعد لها مسوغ مثل “ضرورات الأمن الوطني” و”توفير فرص العمل للمواطنين” و”عدم الإخلال بالتوازن الديموغرافي”.
أما في العراق فقد أضيف لها التشكيك بنزاهة وإخلاص العراقي الذي يحمل جنسيتين باعتبار أنه “غير مؤتمن على المال العام”!! أمر عجيب حقا. ما علاقة الجنسية بالأخلاق؟ وهل من الصعب على أي شخص يتوفر له المال أن يحصل على إقامة في بلد آخر؟ هناك بلدان تسمح للعراقي بدخولها دون تأشيرة كتركيا ولبنان وماليزيا، وهناك دول كثيرة أخرى تمنح التأشيرة لمن توفر عنده المال.
قرار البرلمان الأخير بحرمان العراقيين من حملة الجنسيتين من شغل المناصب الإدارية سوف يجرد العراق من خبرات ملايين العراقيين المحبين لبلدهم وسيجعلهم يشعرون بالتمييز ويدفعهم إلى التمسك بالبلدان الأخرى التي احترمتهم وساوتهم بمواطنيها. إنه تمييز غير مقبول بين المواطنين العراقيين والمستفيد الأول منه هو الذين يريدون للعراق أن يبقى ضعيفا وبالتأكيد سوف يبقى ضعيفا عندما يُستثنى خمسة ملايين عراقي من أهل الخبرة والكفاءة من حق المساهمة في إدارة الدولة. المتضرر الأول هو عراقيو الداخل الذين سيُحرمون من خدماتهم، أما حملة الجنسيتين فإن ضررهم معنوي فقط لأن خياراتهم واسعة.
في لبنان هناك ١٥ مليون لبناني يحملون جنسيتين أو أكثر، مقابل نحو أربعة ملايين يحملون الجنسية اللبنانية فقط. لولا المهاجرون لما أصبح لبنان دولة عصرية يتوفر لسكانها مستوى معيشة مرتفع نسبيا ويقيم ويعمل فيها ملايين الأجانب. حرب العراقيين على بعضهم البعض يجب أن تتوقف ومن الضروري جدا أن يتدخل مراجع الدين لإيقاف هذا التدهور الخطير الذي تقوده قوى في البرلمان لا تشعر بالمسؤولية وتسعى للإضرار بالعراق عن قصد أو دونه.
حميد الكفائي