حذارِ من التخلي عن الحقوق المكتسبة
مجلة الهدى- أيلول ٢٠١٥
التظاهرات الأخيرة جاءت معبرة عن الاستياء الجماهيري من التلكؤ بل الشلل الذي أصاب عملية بناء الدولة العصرية التي ننشدها. لم يتردد أحد في العراق في تأييد هذه الاحتجاجات السلمية المشروعة من المرجعية الدينية الرشيدة إلى الأحزاب السياسية والقادة السياسيين والمثقفين والصحفيين والكتاب والناس العاديين، وهم الأساس التي انطلقت منه.
كلنا هرعنا إلى هذه الاحتجاجات وأيدناها وشاركنا فيها لأنها عبرت عن مطالب شرعية كلنا نريد لها أن تتحقق. نريد استمرار الكهرباء ٢٤ ساعة في اليوم لأنها عصب الحياة العصرية ولأنها توفر لنا الوظائف والأمان والضياء والأجواء المواتية للعمل والدراسة والراحة النفسية والسعادة والوئام الاجتماعي.
ونريد القضاء على الفساد ومحاسبة مرتكبيه ومروجيه ومسهليه مهما كانت مواقعهم السياسية أو الحكومية لأن هؤلاء هم في الحقيقة أعداء المجتمع العراقي وأعداء الدولة العصرية التي ينشدها العراقيون. هناك من يمارس الفساد بحجج شتى منها العوز أو الحاجة إلى الإنفاق في مجالات أخرى وما إلى ذلك، ولكن يجب أن يكون المال العام مقدسا كما هي النفس البشرية.
كما نريد أن يمارس الجميع حرياتهم التي كفلها لهم الدستور والقوانين المرعية ونريد دولة قوية بقوانينها ومؤسساتها ومنسجمة مع العالم ومحيطها العربي والإقليمي وليست تابعة لهذه المجموعة أو تلك الدولة العظمى أو الصغرى.
غير أننا يجب أن نكون حذرين فلا نتخلى عما حققناه خلال السنوات الإثنتي عشرة الماضية من منجزات عظيمة هي الأساس للحرية التي ننعم بها الآن مهما كانت نواقصها التي نشعر بها لكننا في الوقت ذاته نسعى لأن تكون مكتملة غير منقوصة. الحريات السياسية التي ننعم بها والتي تتمثل في التعددية التي يعكسها مجلس النواب هي نتاج مباشر للنظام البرلماني الذي نعمل به منذ عقد من الزمن. يجب علينا أن نتمسك بهذا النظام بل ونعززه لا أن نطالب بإلغائه وإعلان الأحكام العرفية أو حالة الطوارئ.
لن يستفيد الشعب من إعلان حالة الطوارئ أو إلغاء الدستور وحل البرلمان والمستفيد الأول والأخير منها هو الحاكم الذي سيتمدد على حسابنا. ومهما كان هذا الحاكم إنسانيا ووديعا وعادلا فإن من الخطأ أن نطلق له العنان ونلغي القيود التي فرضها عليه القانون، فإن كان حاكم اليوم عادلا فإنه لن يكون كذلك غدا لهذا يجب أن يبقى الدستور والقوانين المسمتدة منه قائمة كي تحد من سلطته وتراقب أداءه.
ليس هناك معصوم في عالم اليوم ويجب علينا أن نبقي على القوانين ونعزز من حقوقنا التي منحنا إياها الدستور لا أن نتخلى عنها في فورة الانتفاضة ضد الفساد والعجز والتلكؤ. ليس كل ما لدينا فاسد وسيء وليس كل السياسيين والمسؤولين فاسدين لذا وجب علينا التمييز بين هذا وذاك.
البرلمان مكننا من أن نكون أحرارا ويكون لدينا ممثلون ننتخبهم كي يدافعوا عن حقوقنا. فإن كنا غير مرتاحين لأداء بعضهم حاليا، وهذه حقيقة، فإن علينا أن ننتخب الأشخاص المناسبين في الانتخابات المقبلة. الدستور بحاجة إلى تعديل وليس هناك دستور في أي دولة يبقى كما هو أبد الدهر دون تعديل، فلا دستور دائما لحياة متغيرة. هناك بالتأكيد حاجة لتعديله مرة ومرتين وثلاثة وعشرة، ولكن حذارِ من إلغائه لأن في ذلك مفسدة كبرى ودفع المفاسد أولى من تحقيق المصالح. الإلغاء سيعني أننا نبقى تحت رحمة الأقوياء وعلينا ألا نعول على عدالتهم دون أن يكون هناك إطار دستوري نحكمهم بموجبه.