مجلة الهدى – تشرين الثاني ٢٠١٥
لا شك أن الإصلاحات التي تجريها الحكومة حاليا ويقرها البرلمان هي ضرورية لبناء البلد ووضعه على السكة الصحيحة، ليس لأسباب آنية فحسب، حيث الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها العراق، وإنما لمستقبله على الأمد البعيد من أجل بناء اقتصاد سليم معافى خال من التشوهات التي يخلّفها الفساد والبطالة المقنعة والظلم والمخالفات الإدارية والإهمال والتقصير…
ولكن علينا أن نكون على بينة من أمر واحد على الأقل وهو أننا لن نتمكن من إجراء أي إصلاحات حقيقية إن لم نبدأ بإصلاح القضاء وتعزيز سلطته ومحاسبة القضاة المتساهلين عن قصد مع الفاسدين والمخالفين، أو القضاة المتشددين في القضايا الصغيرة دون أن تكون هناك ضرورة.
نحن من ناحية، لدينا العديد من المؤسسات الرقابية القضائية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العامين المنتشرة في الوزارات والهيئات والمؤسسات، بالإضافة إلى اللجان البرلمانية المتخصصة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. ومن ناحية ثانية فإن كل هذه المؤسسات لم تتمكن حتى الآن من الحد من الفساد وتوفير المال العام. هناك إذن خلل في مكان ما علينا أن نصلحه. ربما علينا أن نوحد الجهات الرقابية ونبقي فقط على ديوان الرقابة المالية المتخصص منذ سنين في هذه الأمور ونعزز سلطاته كي تتوحد الجهود من أجل القضاء على الفساد.
كما يجب علينا ألا نتحدث فقط عن الفاسدين الذين أفلتوا من العقاب بل عن القاعدين الذين تقاعسوا في أداء واجباتهم بسبب خوفهم من الاتهام بالفساد وكيف نمكِّنهم من أداء وظائفهم دون خوف. هناك آلاف الموظفين والمسؤولين الذين يقصرون في واجباتهم ويترددون في اتخاذ القرارات الضرورية بسبب خوفهم من الاتهام بارتكاب فساد وما يتبعه من جرجرة إلى المحاكم والمعتقلات. هؤلاء مقصرون دون شك، ولكن يجب أن نصلح الهئيات الرقابية بحث لا يُحال إلى النزاهة إلا من توفر الدليل القاطع بأنه فاسد.
كثيرون اعتقلوا وأهينوا وفقدوا سمعتهم بسبب إحالتهم إلى القضاء ليتضح لاحقا أنهم لم يرتكبوا أي مخالفة أو جريمة. كثيرون الآن يترددون في تولي المسؤولية بسبب الخوف من الاتهام بالفساد لأن من يخشى على سمعته يشعر أن الأفضل له أن يبقى بعيدا عن المسؤولية. أعرف مسؤولا نزيها إلى ابعد الحدود بحيث أنه يخشى أن يستفيد من أبسط المنافع التي يوفرها له المنصب، كخدمة الإنترنت في دائرته والتي يدفع اشتراكها من ماله الخاص، لأنه لا يريد الوقوع في الحرام باعتبار أن استخدام الإنترنت فيه جانب شخصي. لكن هذا المسؤول النزيه الشريف العفيف دخل المعتقل عدة مرات وواجه العديد من الدعاوى الكيدية أو الخاطئة أو التعسفية ومنع من السفر وتعرضت سمعته إلى التشويه بسبب الإجراءات القضائية الخاطئة والمجحفة.
المتهم عندنا مدان حتى تثبت براءته ولن يحصل ذلك إلا بشق الأنفس. فهو يُجرجر إلى المحاكم والمعتقلات ويوضع مع المجرمين ويُهان ويُجبر على ارتداء بدلات السجناء لمجرد أنه متهم. يتعرض إلى كل هذا الأذى والإهانات ليطلق سراحه لاحقا دون اعتذار او تعويض. للأسف هناك تحامل على المسؤولين بسبب كثرة الاتهامات المغرضة والأكاذيب التي تطلقها جهات عديدة هدفها إثارة اللغط وتخريب العراق، وهناك للأسف استعداد لتصديق أي شائعة تسيء إلى المسؤولين، صغارا وكبارا، وهذا توجه خطير يساوي بين الفاسد والنزيه والمجرم والبريء.
علينا أن نميز بين القصص الحقيقية والشائعات المغرضة ولا نقفز إلى تصديق كل ما نسمع، فكثير مما ينشر هذه الأيام مغرض وكيدي ويهدف إلى الإساءة إلى الخصوم وتقف وراءه أيادٍ آثمة مجرمة تريد أن تضعف النظام فتخلط الحابل بالنابل وتضع الصحيح مع الأجرب. معظم الموظفين نزهاء مخلصون، والفاسدون هم قلة قليلة. علينا أن نعي المكائد التي تحاك ضد نظامنا ولا نصدق كل ما يقال. إنها مسؤولية أخلاقية وشرعية ووطنية وإنسانية.
حميد الكفائي