الإصلاح هو المطلوب وليس جلد الذات
مجلة الهدى-تشرين الثاني ٢٠١٥
يكثر الحديث بين العراقيين منذ سنوات حول استشراء الفساد في الدوائر الحكومية وغيرها، والفساد حقيقة تجب محاربتها بالسبل الناجعة
وأهمها تفعيل القوانين والتأكد من سيادة العدالة بين الناس وأن يأخذ كل ذي حق حقه، لكن الهوس بالفساد والظن أن الجميع فاسدون هو أمر علينا مراجعته لأنه يسيء إلينا كشعب. فإن صدقنا كل ما نسمعه ونقرأه عن السرقات وفساد المسؤولين وفشلهم وعدم أهليتهم للمناصب التي يشغلونها فعلينا أن نصدق أن معظم العراقيين فاسدون وفاشلون وناهبون للمال العام وغير مهنيين ولا يمكن الوثوق بهم في إدارة شؤونهم. هل نحن فعلا هكذا؟ أم ان هناك من يبالغ في ما يقول ويكتب عن مساوئنا ونحن ضحايا تصديقه؟
بالتأكيد نحن العراقيين لسنا فاسدين أو فاشلين أو غير قادرين على إدارة شؤوننا فهذا ينافي الواقع. فإنجازاتنا وتضحياتنا عبر السنين براهين شاخصة على وطنيتنا ومهنيتنا وقدراتنا المتميزة ولا داعي لسرد الإنجازات والتضحيات فهي كثيرة ومعروفة. ولكن لماذا بدأنا نمزق أنفسنا بالقدر الذي نراه اليوم؟ من المستفيد من هذا التمزيق؟ ولماذا يصدق بعضنا كل ما يقال عنا إن كان سيئا؟ لماذا اصبحنا نبالغ ونغالي في كل شيء؟ وهل يمكن المبالغة، في أي اتجاه كانت، أن تخدم أحدا؟
لو تركز نقدُنا على المخالفات الحقيقية لتمكنّا حقا من إصلاحها والإمساك بالمخالفين وردع من يعتزم المخالفة من الإقدام عليها، لكن الاستغراق في اتهام الجميع يساهم في ضياع الحقيقة وإدامة المشاكل والمعاناة. المخالفات الحقيقية كثيرة، ليس في العراق فحسب بل في بلدان العالم الأخرى، وإلا لما وجدت المحاكم والشرطة والأجهزة الرقابية، وبإمكان الصحافة وهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ولجنة النزاهة البرلمانية ومكاتب المفتشين العامين والمديرين والمسؤولين ملاحقة مرتكبيها وتفعيل القوانين بحقهم وتقديمهم إلى القضاء أو منعهم من ارتكاب المخالفة ابتداء.
تعميم الاتهام بالفساد والفشل وإنعدام الأهلية للعمل لن ينفعنا بشيء بل هو يخدم المخالفين الحقيقيين لأنهم سيختفون وسط هذا العدد الهائل من المتهمين. الوطنيون والمهنيون وأصحاب الضمائر هم الغالبية العظمى بيننا وعلينا ألا نصدق هذه الأكاذيب والشائعات التي يطلقها المغرضون بأن كل شيء في العراق سيء وكل مسؤول فاسد وسارق وأن الأمور تتجه نحو الهاوية. أهم مؤشر على حيوية الاقتصاد وسريان الأمور بشكل طبيعي في أي بلد هو أسعار العقارات والمنازل والشقق والمكاتب، وأسعارها في العراق هي أعلى حتى من بعض الدول الأوروبية. فلو كان العراق يسير نحو الهاوية كما يقولون لما ارتفعت أسعار العقارات والإيجارات في كل مناطقه بشكل يفوق الدول المستقرة.
هناك ألاف المضحين والعاملين بصمت من أجل العراق في الجيش والشرطة ودوائر الدولة المختلفة وهؤلاء لا يستحقون أن نعمم عليهم صفات الفشل وانعدام النزاهة. على أصحاب الضمائر في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التركيز على الفساد الحقيقي وعدم الترويج للشائعات والأكاذيب قبل ثباتها على فاعليها. القوانين في البلدان الراسخة تمنع الترويج للأكاذيب وتعاقب مروجيها بل ولا تسمح حتى بذكر أسماء المتهمين حتى تدينهم المحاكم. كثرة الشائعات والأكاذيب أضرت كثيرا بسمعة العراقيين بل أخذت تُضعِف الثقة بهذا البلد الذي يعاني من عقود بسبب انقسام مواطنيه وخلافاتهم، فرأفة بالعراق أيها المحبون له. يجب ألا يتوهم أحدُنا بأنه أكثر وطنية وحبا لبلده وحرصا عليه من الآخرين. من الضروري أن نترك الأجهزة الرقابية تعمل بهدوء كي تنجز عملها بدقة.
التنافس على المناصب والمواقع والثروات يمكن أن يتحقق عبر الوسائل المشروعة، كما إن النقد حق مشروع لكل إنسان، ولكن عليه أن يتأكد من صحة المعلومات التي يطلقها لأن اتهام الآخرين دون دليل هو ظلم وإجحاف بحقهم وهو ينافي الأخلاق ومبادئ العدالة والإنصاف بالإضافة إلى كونه حراما في كل الأديان والمذاهب ومخالفا للقوانين.
حميد الكفائي