الإجراءات الحالية لن تحقق الأمن المنشود
مجلة الهدى-تشرين الثاني ٢٠١٥
الإجراءات والتحرزات الأمنية التي نراها في مدننا ومؤسساتنا وشوارعنا متعبة للشرطة وللمواطنين بالإضافة إلى كونها غير مجدية والدليل أنها تُختَرَق باستمرار لأنها غير عملية ولا تقدِم لنا المعلومات المطلوبة التي تحقق الأمن. تعدُّد نقاط التفتيش في الشوارع لا يمكن أن يحفظ الأمن لأنه ليس بإمكان الشرطة أن تفتش كل السيارات المارة مثلما تحاول حاليا. إن كان عدد السيارات بالملايين في بغداد والمحافظات فهل يمكن لنقطة تفتيش أو مجموعة من الشرطة أن يفتشوا كل هذا العدد الهائل من السيارات تفتيشا دقيقا يوميا؟ بالطبع لا.
المطلوب هو جهاز مهني مدرب لجمع المعلومات ورصد ومراقبة مصورة مستمرة للمركبات والمارة عن بعد وتفتيش كل ما يشتبه به من مركبات وأشخاص تفتيشا دقيقا ولا بأس أن تحدد نسبة معينة، كأن تكون ٥٪ من السيارات، تخضع للتفتيش الدقيق. وعندها سوف يطاول التفتيش كل السيارات والأشخاص بمرور الزمن وسوف يرتدع الأشرار عن ارتكاب جرائمهم لأن التفتيش الدقيق سوف يكشفهم قبل تحقيق أهدافهم.
كما يجب إغلاق الشوارع المزدحمة بالمتسوقين أمام السيارات والمركبات كي تكون آمنة، لكن هذا غير ممكن دون توفير أماكن لوقوف السيارات كي يتمكن المتسوقون من إيقاف سياراتهم في مكان آمن قرب مراكز التسوق. كل المواقف الحالية أرضية وتشغل مساحات واسعة من المدن وهذه بالتأكيد لن تكون قريبة أو كافية لوقوف السيارات. نحن نحتاج إلى مبانٍ عديدة مكونة من طوابق متعددة لإيواء السيارات تبنى وسط المدن وقرب مراكز التسوق أو التجمع.
ما زالت مؤسساتُنا ودوائرُنا ووزاراتُنا مطوقة بالكتل الكونكريتية القبيحة التي تحميها من الإنفجارات لكنها في الوقت نفسه تشوه مناظر المدن، خصوصا بغداد، وتحتل مساحات كبيرة من الشوارع وتغلق الارصفة التي لم تعد متاحة للمارة بل اصبحت تستخدم من قبل الباعة لنشر بضائعهم وأصحاب السيارات لإيقاف سياراتهم وأصحاب المقاهي والمطاعم كجزء من مساحات محالهم ينشرون فيها الكراسي والطبلات والموائد. أما مداخل الوزارات والمؤسسات الحكومية فهي معيبة حقا بدءا من مدخل الحكومة الرئيسي من كرادة مريم المحاط باسلاك شائكة وقطع حديدية يكسوها الصدأ، ناهيك عن ضيق الممرات المؤدية إلى المباني التي يحرسها شرطة يقفون في العراء، في الحر والبرد، وهذا لا يليق بمقر حكومة بالإضافة إلى كونه لا يليق بالشرطة كجهاز محترم يضطلع بحماية الناس والممتلكات. أما مدخل وارة الثقافة فيعكس صورة سيئة للبلد ككل.
الأمن لا يتحقق بهذه الإجراءات البدائية وقد رأينا خلال السنوات الإثنتي عشرة الماضية أننا لم نتمكن من ضبط الأمن كليا، على رغم أنه تحسن كثيرا، لكن هذا التحسن لم يكن نتيجة لهذه الإجراءات غير المجدية بل لارتفاع نباهة أفراد المجتمع (بمن فيهم الشرطة) ووعيهم لمخططات الإرهابيين وتعاونهم مع الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى انشغال الإرهابيين الآن (بدولتهم الإسلامية) في الموصل والرمادي والرقة.
يجب أن تكون هناك طرق مبتكرة لتحقيق الأمن وتسهيل حياة الناس وكذلك حمايتهم من الأخطار. تسهيل حركة الناس وتوسيع حرياتهم يشجع التجارة والعمل وينعش القطاع الخاص ويزيد من إيرادات الناس والدولة في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها بلدنا بأزمة اقتصادية خانقة. يجب أن يطوِّر الشرطة طرقا لزيادة التعاون مع المواطنين لكشف المخططات الإرهابية والجريمة المنظمة ويجب أن تكون أرقام هواتف الشرطة معروفة في كل منطقة ومنشورة في الأماكن العامة كي تسهِّل على المواطنون التبليغ عن أي تحركات مريبة يمكن أن يروها أو يكتشفوها.
الأمن يتحقق عبر التعاون الوثيق بين الناس والشرطة ولولا هذا التعاون لما كان هناك أمن في معظم بلدان العالم. للأسف ما يزال هناك بين مواطنينا من يعتقد بأن التعاون مع الأجهزة الأمنية عمل معيب أو أنه ليس من شأنه أو مهامه (على مبدأ “مو شغلي: أو “آنا شعليَّ”)، وينسى أن مهمة الشرطة الأولى والأخيرة هي حمايته هو وأهله وأصدقائه وممتلكاتهم وأن من واجبه كمواطن العمل على حفظ الأمن والنظام.
حميد الكفائي