ليس كرما أن تقدم طعاما يُرمى معظمه مع النفايات
مجلة الهدى-كانون الأول، 2015
بعض العادات التي نتمسك بها عبثية وفيها الكثير من الإسراف والمبالغة وقد أصبحت مكلفة بمرور الزمن ولا يتحملها الكثير من ذوي الدخل المحدود. البذخ الذي نشاهده في المناسبات الاجتماعية والدينية غير مقبول أخلاقيا أو دينيا ولا معنى له سوى النزعة نحو التبذير التي أصيب بها كثيرون في مجتمعاتنا دون أن يدركوا حجم الضرر الذي تلحقه بهم. الحصول على المال ليس أمرا سهلا بل يتطلب جهودا مضنية ووقتا ثمينا يمكن المرء أن يمضيه في التعلم أو الراحة أو الترفيه عن النفس من أعباء الحياة.
الحفاظ على المال الخاص كالحفاظ على المال العام مسؤولية أخلاقية وشرعية. المال الذي بحوزتنا ليس لنا وحدنا بل إن للآخرين فيه حقا. فإن تجاوزنا حقوق الفقراء في أموالنا، فإن لأبنائنا وبناتنا فيه حقا لأننا سنورثه لهم بعد أن نمضي إلى العالم الآخر. لذلك فإن التبذير هو في الحقيقة سرقة لحقوق الآخرين واعتداء على ممتلكاتهم.
في وقت يعاني فيه العراق من أزمات عديدة، اقتصادية وأمنية وصحية وتربوية، بل وحتى أخلاقية بسبب انتشار الفساد في مؤسساتنا، يتصرف بعضنا وكأننا نعيش في بحبوحة من الخير الوفير، فيبذر الأموال تحت مسميات عديدة، والغريب أن بعض هذه المسميات ديني! وكأن ديننا لم يحض على الاقتصاد ولم يحذر من التبذير (إن المبذرين كانوا أخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا)، كما يحذر من التقصير والبخل عندما تكون هناك حاجة للإنفاق (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).
بدلا من تبذير الأموال على الطعام الذي نرميه مع النفايات بإمكاننا أن نشتري لوازم مدرسية لأطفالنا وبإمكاننا ان نشتري لهم كمبيوترات كي يتعلموا استخدامها منذ الصغر ليصبحوا منتجين في وظائفهم مستقبلا. وبإمكاننا أن نشتري لهم الملابس أو وسائط النقل أو حتى وسائل الترفيه. بإمكاننا أن نقدم هذه الأموال إلى الفقراء الذين يفتقرون إلى ابسط مقومات الحياة. وبإمكاننا أن نمضي الوقت في تنظيف منازلنا وشوارعنا وتشجير حدائقنا كي نحسن من بيئتنا المتدهورة التي اصبحت تنتج الأمراض والجراثيم والذباب والبعوض والحشرات والزواحف الضارة.
تجدنا نغتنم الفرص من أجل التباهي بإقامة الولائم ومد الموائد (العامرة) ونتفاخر أي منا يقدم طعاما أكثر لضيوفه في وقت لم يعد هذا الأمر مهما لأحد، فبإمكاننا ان نكتفي بالقليل منه، فذلك أكثر نفعا وأجدى للمحافظة على صحتنا. وهذه التقارير العلمية تؤكد أنه كلما تنوع طعام الإنسان وقل وزنه، تحسنت صحته وازداد نشاطه وطال عمره.
المائدة عندنا ليست من أجل تناول الغذاء الجيد الذي نحتاجه للنمو بل من أجل التباهي والتفاخر، فكلما كثر الطعام، انتشى مقدمه وتفاخر بأنه (كريم) ويبذل الغالي والنفيس من أجل الضيف!
إنها معايير لم تعد تتناسب مع حياتنا المعاصرة وأن استمرارها (واستمراءها) سيكلفنا كثيرا ويرهق كاهل أجيالنا ويكون على حساب تقدمنا. ليس من العدل أن نعلّم الأجيال على عادات اصبحت تشكل عبئا على المجتمع بل سوف تساهم في تخلفه في وقت تتقدم المجتمعات الأخرى التي تحافظ على المال والوقت وتستثمرهما في المفيد. آن الأوان أن نتعلم من تجارب الآخرين فنحن لا نعيش في كوكب وحدنا وهناك مجتمعات مرت بتجارب ناجحة علينا أن نستفيد منها. الاحتفاظ بالعادات السيئة سيساهم في تأخرنا في وقت تتطور فيه شعوب العالم، فتتسع الفجوة بيننا وبينهم بمرور الزمن، وحينها يجب ألا نلوم سوى أنفسنا. على العقلاء والمثقفين أن يساهموا في تغيير العادات الضارة التي تنتمي إلى عهود خلت من خلال البدء بأنفسهم، فعندما يتوقفون عن ممارسة التبذير سيقتدي بهم الآخرون.
حميد الكفائي