لا شك في أن مصادقة البرلمان العراقي على قانون الأحزاب خطوة مهمة في طريق الديموقراطية، لكن فقرات القانون فرضت شروطاً صعبة التطبيق أو الرصد أو حمالة أوجه خصوصاً مع بقاء القضاء خاضعاً لرغبات الحاكمين.
حاولت الأحزاب المهيمنة حالياً قصارى جهدها صوغ القانون لضمان بقاء هيمنتها على الساحة السياسية، وقد يكون هذا القانون الأخطر عليها لأنه يقيد الحرية التي تتمتع بها. هناك مواد صيغت بطريقة مقصودة كي تكون عائمة. المادة 5 «ثانياً» مثلاً ذكرت أنه لا يجوز تأسيس الحزب على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي لكنها لم تُشِر إلى «التعصب الديني» الذي تسبب في ارتكاب أبشع الجرائم بحق أتباع الديانات الأخرى، كالمسيحيين والأيزيديين.
الفقرة «ب» من المادة 11 تنص على إمكانية تشكيل الأحزاب لتمثيل المكونات الإثنية، وهذا يتناقض مع روح المادة 5 «ثانياً» على رغم أن الأخيرة اشترطت وجود «التعصب» كأساس للحظر، ولكن كيف يمكن تحديد «التعصب» قانونياً على أرض الواقع؟ كان على القانون أن يحظر تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو طائفية كي يُلزِم السياسيين بالدفاع عن جميع العراقيين بدلاً من الانخراط في مزايدات طائفية وقومية هدفها كسب الأصوات. وفي الفقرة «ثالثاً» من المادة 5، يحظر القانون تأسيس الأحزاب التي تروج لفكر أو منهج حزب البعث! وهذه يمكن أن يساء تفسيرها بحيث أنها تستخدم ضد أي حزب لا يروق لأحد الأحزاب المتنفذة.
تنص المادة 6 على أن يعتمد الحزب «الآليات الديموقراطية» في اختيار القيادات الحزبية لكنه لم يضع أطاراً قانونياً لمثل هذا الاختيار، كأن يكون علنياً وبإشراف قضائي من أجل ضمان الالتزام بالآليات الديموقراطية، لذلك فإن هذه المادة ستسمح عملياً للأحزاب بالإبقاء على الآليات الحالية وهي هيمنة شخص أو عائلة، لكنها ستدعي أن قياداتها جاءت وفقاً للآليات الديموقراطية.
وفي المادة 8 الفقرة «ثالثاً» نص القانون على ألا يتخذ الحزب شكل التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية وألا يرتبط بأي قوة عسكرية، كما نصت المادة 24 «سادساً» على عدم امتلاك الأسلحة والمتفجرات، وهاتان المادتان أهميتهما مميّزة لأن بعض الأحزاب الحالية له أجنحة عسكرية منذ زمن المعارضة، بقيت على شكلها السابق على رغم ادعائها التحول إلى إطار مدني. ولكن كيف يمكن أن يُفعَّل هذا النص القانوني؟ ومن سيلتزم به؟ الأرجح أنه سيكون صعب التنفيذ والمراقبة فكل التنظيمات الحزبية العسكرية كانت وستبقى سرية، ومن الصعب التأكد من أنها تخلت فعلاً عن توجهاتها العسكرية.
يعود القانون في المادة 9 «ثالثاً» إلى حظر النشاط السياسي لمن كان منتمياً إلى حزب البعث أو مشمولاً بإجراءات «المساءلة والعدالة». يتناسى الساسة الحاليون أن ملايين العراقيين انتموا الى حزب البعث خلال ثلاثة عقود، إيماناً بمبادئه أو خوفاً من أجهزته القمعية أو سعياً وراء المكاسب عندما كان البعث يسيطر على كل مفاصل الحياة. وهم يعلمون أيضاً أن كثيرين من أعضاء أحزابهم حالياً كانوا في فترة ما بعثيين، لكنهم غير مشمولين بإجراءات الحظر وهذا تناقض في تطبيق القانون.
إن كان البعثي السابق يتمتع بشعبية تؤهله لتولي منصب ما، وبعضهم يحظى بمثل هذه الشعبية كما رأينا في بابل وكربلاء في انتخابات 2009 عندما تمكن أفراد من الفوز على أحزاب متنفذة، فما المانع أن يتولى إدارة الشأن العام إن كان الناس يثقون به؟
المادة 11 – الفقرة «أولاً – أ» تشترط أن ترافق التأسيس تواقيع ألفي مؤيد للحزب «من مختلف المحافظات» مع مراعاة التمثيل النسوي، وهذه الفقرة تشجع الأحزاب على أن تكون وطنية في تمثيلها وأن تشرك المرأة في إدارتها وصوغ برامجها السياسية.
الفقرة «هـ» من المادة 11 «أولاً» تضيف عبئاً إضافياً على المؤسسيين وهي أن ترافق كل عضو مؤسس «صحيفة سوابق» (!) من وزارة الداخلية تثبت أنه لم يرتكب أي مخالفة قانونية، وصحيفة أخرى من الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة تشير إلى أنه غير مشمول بإجراءاتها! هذه الشروط تثقل العملية السياسية بإجراءات غير ضرورية، إضافة إلى كونها مهينة لمؤسسي الأحزاب الذين يفترض أنهم نخبة المجتمع وأهل الرأي فيه، الساعون إلى رقيه وتقدمه.
المادة 20 «أولاً وثانياً» مهمة لأنها تحمي الحزب من أن يتعرض للتنصت أو التجسس على وثائقه واجتماعاته، وهي ترقى إلى ما هو سائد في العالم الديموقراطي لكنها صعبة التطبيق في بلد يسعى المسؤولون فيه الى إرضاء مَن في السلطة. المادة 22 «أولاً» سمحت للأحزاب بإصدار الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية أو امتلاك «وسائل الاتصال» كافة، متجنبة ذكر وسائل الإعلام، لكن المادة التالية لها أجازت للأحزاب «استخدام» وسائل الإعلام! فهل يعني هذا أن الأحزاب ممنوعة من امتلاك وسائل إعلام؟ وماذا سيحصل لعشرات القنوات الفضائية التي تمتلكها الأحزاب؟ كل الأحزاب الكبيرة، باستثناء حركة الوفاق الوطني، تمتلك قنوات فضائية. المادة 24 «تنصح» أجهزة إعلام الدولة بـ «الابتعاد»عن التمييز بين الأحزاب! وهذا لا يرقى إلى إلزامها بعدم التمييز، ما يعني أن أحزاب الحكومة ستحظى بحصة الأسد من تغطية إعلام الدولة كما يحصل الآن. المادة 25 مهمة جداً لأنها في «أولاً» تحظر الارتباط المالي أو التنظيمي بالجهات الأجنبية، وفي «رابعاً» تحظر العمل في صفوف الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء وفي «خامساً» تحظر استخدام دور العبادة لممارسة النشاط الحزبي والدعاية. وعلى رغم صعوبة تطبيق كل هذه الشروط، وجودها سيردع بعضهم ويجعله يفكر ملياً قبل الإقدام على انتهاك القانون.
الملاحظات كثيرة لكن صدور القانون أفضل من عدمه خصوصاً أن هناك إمكانية لتعديله مستقبلاً، فالتعديل دائماً أسهل من التشريع.
حميد الكفائي
http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/13330536/قانون-الأحزاب-هل-يحقق-«العدالة-السياسية»-في-بغداد؟