لماذا تحكمنا قوانين صدام التعسفية حتى الآن؟
مجلة الهدى-كانون الثاني ٢٠١٦
مازالت الدولة العراقية تعمل بالكثير من قوانين ومعايير ولوائح وضوابط النظام السابق التعسفية حتى الآن ومازال العراقيون يُعاقَبون على مخالفتهم تلك القوانين التي تتعارض مع مبادئ الدستور العراقي ومواثيق حقوق الإنسان العالمية.
قوانين النشر السابقة مازالت سائدة وقد أُدين صحفيون وفق تلك القوانين المجحفة وهذا لا يليق بدولة ديمقراطية، ولا يليق بمسؤولين جاءوا عبر الانتخاب أن يلجأوا إلى قوانين النظام الدكتاتوري السابق لتكميم أفواه منتقديهم. ومع ضرورة مراعاة القوانين وضبط النفس عند ممارسة الحريات الصحفية، فإن لجوء المسؤولين إلى قوانين النظام السابق لقمع منتقديهم هو أمر معيب حقا.
مازال موظفو الدولة، وعددهم يقارب اربعة ملايين، ملزمين باستحصال موافقة الوزير شخصيا إن أرادوا السفر إلى الخارج! أليس السفر حقا من حقوق الإنسان كفله الدستور؟ فلماذا إذن يحتاج الموظف إلى موافقة الوزير لممارسته والإفصاح عن سبب الإجازة والوجهة التي يعتزم الذهاب إليها؟
ما زال الموظف خاضعا لمزاج المدير الذي بإمكانه أن يعاقِب من لا يروق له بنقله من محافظة إلى أخرى رغم أنه ليس من سكانها ولا يكفي راتبه لتغطية تكاليف السكن فيها! أحيانا تُعاقب موظفة بنقلها من محافظة إلى أخرى بعيدا عن عائلتها وبيئتها! أين الإنصاف في هذا؟ وهل يمكن أن يفعل ذلك أي مدير بكامل قواه العقلية في أي مؤسسة في البلدان التي تحترم حقوق الإنسان؟
ما زال تقييم الموظف السنوي بيد المدير فقط ولا يستطيع الموظف أن يغير ما يقوله المدير عنه وإن كان مجحفا، وفي النهاية يسود رأي المدير بموظفيه مهما كان رأيه قاصرا أو مزاجيا. التقييم في البلدان التي تحترم حقوق الموظف هو إجراء مشترك ولا يحصل بمعزل عن الموظف بل بمشاركته ويجب أن يتفق المدير والموظف على الصيغة النهائية للتقيم ويوقعانها معا، وفي خلاف ذلك لا يكون التقييم ملزِما. ومن حق الموظف الاعتراض على التقييم إن أصر المدير على رأيه.
ما زال السائق في دوائر الدولة يتحمل تبعات أي ضرر يلحق بالسيارة التي يقودها إلا إذا برهن بالدليل القاطع، المؤيَّد من جهة متخصصة والمصادَق عليه من قبل لجنة مشكلة لهذا الغرض، على أن الضرر قد حصل لسبب لم يكن السائق شخصيا مسؤولا عنه بل كان خارجا عن إرادته… أما إذا حصل الضرر نتيجة لحادث سير وقد ثبت بأن ذلك حصل نتيجة خطأ منه فإن عليه أن يدفع كلفة إصلاح سيارته والسيارة الأخرى حتى وإن فاق ذلك مرتبه السنوي!
مازال آلاف الأطفال يعملون في ظروف غير إنسانية مخالفة للقوانين الدولية، ومازال ملايين الفقراء يعيشون دون خط الفقر وفي مساكن عشوائية بدائية في بلد يفترض أنه من أغنى بلدان المنطقة. من المُلِح جدا مراجعة قوانين العمل العراقية والتأكد من أنها لا تتعارض مع حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية، كما يجب تفعيل القوانين من أجل حماية الضعفاء في المجتمع، كالأطفال والنساء والمسنين، من الإستغلال.
مازال المواطن يُطالَب بـ(صحة صدور) أي وثيقة يقدمها لدوائر الدولة وقد يستغرِق استصدار ذلك عدة أسابيع أو أشهر، وينتج عنه تأخير وأضرار مادية ومعنوية كثيرة. بينما يُعتَبَر الإنسان نزيها وصادقا في البلدان التي تحترم حقوق الإنسان حتى يَثْبُت العكس. أما معادلة الشهادات المكتسبة من الخارج فلها بداية دون نهاية وإن حجم البيروقراطية والاستهانة الذي يواجهه خريجو الجامعات الأجنبية غير لائق.
المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان مُطالبة بمطابقة اللوائح والضوابط السائدة في العراق مع الدستور ومبادئ حقوق الإنسان العالمية ومراقبة تطبيق القوانين من أجل ضمان عدم انتهاك حقوق الإنسان العراقي.
حميد الكفائي