ليس غريباً أن يكون أعداء الولايات المتحدة، كالمنظمات الإرهابية العالمية ومعها روسيا، أول من يفرح بفوز دونالد ترامب بالرئاسة، بل هناك من هؤلاء من عمل من أجل ذلك الفوز، كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اتهمت إدارة أوباما أجهزته بالضلوع في حملة تشويه سمعة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
فسياسات ترامب تخدم أعداء الولايات المتحدة وتساهم في عزلها وجعلها دولة تخشى أن يكون بين المسافرين إليها إرهابي فتمنع كل المسافرين، وتخشى أن يدخلها مهاجرون، وهي الدولة التي قامت بجهود المهاجرين، فتمنع استقبال اللاجئين جميعاً وتبني جداراً على حدودها مع المكسيك في وقت تقلصت القيود والحواجز وانهارت الجدران بين دول العالم.
وبعد أن كانت الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وزعيمة للعالم الحر الساعية إلى توسيعه وتوحيده، والمروجة لقيم الديموقراطية والليبرالية والمرحبة بالمهاجرين، أصبحت خلال أسبوعين من حكم ترامب دولة معزولة مأزومة مضطربة تجوبها التظاهرات الصاخبة الساخطة على قرارات ترامب المناهضة للمبادئ الأساسية التي قامت عليها.
وتذكرني سياسات ترامب العشوائية المبنية على العداء للآخر بنهج صدام حسين الذى بنى سياساته الداخلية والخارجية على الهواجس والشكوك وتوقع الشر من الآخرين. فقد أقدم خلال أيام من توليه السلطة على إعدام أو حبس أو إقصاء كل من شك في ولائهم له حتى بين أصدقائه وأقاربه وقيادات حزبه. كما اعتبر كل شخص من أصول غير عربية عدواً للدولة وألقى في السجن بمئات الآلاف من العراقيين، ومعظمهم من الكرد الفيلية، أو على الحدود الشرقية على رغم أنهم لا يعرفون شيئاً عن إيران ولا يتحدثون سوى العربية.
انتخاب ترامب انتكاسة للديموقراطية وتراجع خطير للديبلوماسية والتفاهم بين الدول والثقافات والتعاون الاقتصادي ولابد أن يقود إلى توترات وأعمال إرهابية وربما حروب.
ويشعر أميركيون كثيرون بالقلق على مستقبل أميركا كدولة عظمى راعية للديموقراطية وحقوق الإنسان والاستقرار العالمي، ويتجلى هذا القلق بوضوح عند السياسيين والمفكرين المدركين خطورة سياسات ترامب على مستقبل أميركا. عضو مجلس الشيوخ إليزابيث ورن قالت إن البلد يمر في أزمة وإن على مجلس الشيوخ أن يتصدى لمسؤولياته في حماية البلد بإلغاء القرارات التي يصدرها ترامب لأنها غير دستورية وغير أخلاقية.
وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت قالت إن قرارات ترامب معادية لأميركا وهي دولة أسسها المهاجرون من مختلف الأديان والأعراق. السناتور تشارلز شومر قال إن قرارات ترامب التي تمنع دخول مواطني سبع دول إسلامية إلى أميركا تناقض المبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة، وستجعلها أقل أماناً لأنها تشجع الإرهاب. الأغرب في قرارات ترامب أنها لا تقتصر على مواطني الدول السبع بل وتمنع معهم حتى مواطني الدول الأخرى إن كانوا من أصول تعود إلى تلك الدول المغضوب عليها، أو أنهم قد زاروها في وقت سابق، وهذا بالضبط ما حصل للدكتورة ابتهال الحسني التي تحمل الجنسية البريطانية فقط لكنها مُنِعت من ركوب الطائرة المتجهة إلى نيويورك للمشاركة في مؤتمر علمي لأنها كانت قد زارت العراق. الشيء نفسه حصل مع رئيس وزراء النروج، كييل ماغني بونديفك، الذي أوقفه ضباط الهجرة في مطار دولاس وحققوا معه لأنه كان قد زار إيران، على رغم أن جواز سفره ديبلوماسي ويشير إلى أنه رئيس وزراء سابق.
يخلط القرار بين الدول المتحالفة مع أميركا والمترتبطة معها بمعاهدات دفاع مشترك كالعراق حيث توجد أكبر سفارة أميركية في العالم ويحارب إلى جانب قواته المسلحة آلاف الجنود الأميركيين تسندهم عشرات الطائرات المقاتلة الأميركية، والدول التي تناهض السياسة الأميركية مثل إيران. كما أنها لا تميز بين السائح واللاجئ ورجل الأعمال والديبلوماسي ورئيس الوزراء!
لقد برهن الرئيس ترامب أنه ليس جاهلاً في الشؤون السياسية فحسب بل في قوانين بلده وثقافتها وتاريخها أيضاً. فهو يتخذ قراراته من دون استشارات حول مدى دستوريتها وقانونيتها ما جعلها تصطدم بالقوانين الأميركية. فقد قدم المدعي العام في ولاية واشنطن، بوب فيرغسون، طلباً إلى القضاء بإيقاف تنفيذ الأمر التنفيذي الرئاسي بحظر السفر على مواطني سبع دول إسلامية ومنع دخول اللاجئين وقد أقر القاضي الفيديرالي الطلب وأوقف تنفيذ الأمر. لكن الرئيس الأميركي سخر من الأمر القضائي وشكك في صلاحية القاضي. وهذه سابقة خطيرة فمن عادة المسؤولين الغربيين احترام الأوامر القضائية والقضاة الذين يصدرونها ولا يشككون في صلاحياتهم القضائية.
ترامب هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي خرج الملايين من مواطني بلده يوم تنصيبه محتجين على رئاسته. وهو الرئيس الأميركي الوحيد الذي أحرج زعماء الدول المتحالفة مع أميركا مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا واضطرهم لإعلان معارضتهم لسياساته.
انتخاب ترامب رئيساً لأميركا لا يبشر بخير وهو نكسة كبرى لجهود إشاعة حقوق الإنسان والديموقراطية في العالم، والأخطر من هذا أن وجوده في الرئاسة سوف يشجع الإرهاب والعنف في العالم وقد يتسبب في نشوب حروب خارجية. هل يتمكن هذا الرئيس الغريب الأطوار أن يستمر في حكم أكبر وأقوى دولة في العالم؟ أشك في ذلك، وقد يتمكن الأميركيون من إقالته بعد مقاضاته على مخالفاته الدستورية التي بدأت تترى. لكن المشكلة أن خلفه سيكون نائبه مايكل بنس، وهو وإن كان أكثر معرفة منه في الشؤون السياسية، إلا أنه ينتمي إلى المدرسة نفسها.
إنها حقاً نكسة كبيرة في تاريخ التطور الإنساني. علينا أن نضع أيدينا على قلوبنا الآن ونأمل بألا تندلع حرب نووية في العالم بسبب حماقة شخص لا يدرك خطورة القرارات التي يتخذها. لقد حوّل ترامب أميركا من دولة عظمى إلى دولة تخشى اللاجئين الذين لجأوا إليها طلباً للحماية من الحروب والصراعات، وتخشى المسافرين الذين جاؤوها للسياحة أو للمشاركة في مؤتمرات علمية، وتخشى حتى رجال الأعمال الذين يسعون إلى عقد الصفقات التجارية معها وتنمية اقتصادها. إنه عهد بائس لن يمضي من دون أن يدفع العالم ثمناً باهظاً بسببه.
حميد الكفائي
http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/20070838/%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%AF%D9%85%D9%91%D8%B1-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%83%D9%85%D8%A7-%D8%AF%D9%85%D9%91%D8%B1-%D8%B5%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D8%9F