الصباح 10 -02-2006
عرفت السيد سعيد الهمّاشي قبل عامين تقريبا عندما اشتركنا في برنامج تلفزيوني حول الدستور. وقد بقينا منذ ذلك الوقت على اتصال وكنت دائما استعين به في القضايا القانونية وآخذ رأيه في الكثير من الامور، اذ وجدت فيه شخصا متزنا من جميع النواحي وذا تفكير رصين واخلاق عالية ومستوى عال من الحياء الذي تكاد تصطبغ به شخصيته كلها.في آب من عام 2004 دعي السيد سعيد الهمّاشي لحضور المؤتمر الوطني للقوى الوطنية العراقية الذي عقد لانتخاب وإقرار المجلس الوطني الاول، وقد دعي الى المؤتمر باعتباره شخصية وطنية وقانونية تمثل شريحة مهمة من شرائح المجتمع العراقي. وكان في المؤتمر قائمتان متنافستان هما قائمة (الوحدة الوطنية) التي شكلتها الاحزاب المشاركة في الحكومة آنذاك وقائمة (الملتقى الديمقراطي) التي شكلتها الاحزاب والشخصيات الوطنية الاخرى.وكان السيد سعيد الهماشي ممن اختيروا لعضوية قائمة الملتقى الديمقراطي. لم تفز القائمة ولم يدخل السيد سعيد عالم السياسة.
بعد ذلك عين السيد سعيد قاضيا ثم اختير لاحقا ليكون عضوا في هيئة القضاة التي تحاكم صدام واعوانه، وقد حصل ذلك لأنه مؤهل وقدير وموثوق به. السيد سعيد الهمّاشي من خيرة القانونيين العراقيين ومن اكثر الناس اتزانا وعقلانية، وكانت رئاسته لهيئة القضاة في المحكمة ستضفي هيبة وسلطة للمحكمة قد تكون غائبة حتى الان. ان اتهامه من قبل هيئة اجتثاث البعث بالانتماء لحزب البعث المنحل عشية توليه رئاسة هيئة القضاة في المحكمة هو امر في غاية الغرابة وهو حقا مثير للانزعاج لأنه يتنافى مع شخصية السيد سعيد المتزنة والممتلئة بالحكمة والعقل والحياء. ان هذا المنحى الخطير الذي تتبعه هيئة الاجتثاث في تعقب شخصيات مهنية، والاخطاء التي ترتكبها الهيئة احيانا بحق بعض الاشخاص الابرياء، هو دون شك ليس في صالح البلاد لأنه يجردنا من مهارات وخبرات نادرة من جهة، ويخلق لنا اعداء هم الآن حلفاء ومشاركون بقوة في العراق الجديد. إن على الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث أن تتحلى باعلى درجات المسؤولية عندما تطلق اتهاما بهذا الاتجاه او ذلك. كذلك عليها ان تنظر دائما الى الاهداف التي أنشئت من اجلها، وهي منع المسيئين والمتجاوزين على الشعب العراقي والمجرمين بحقه من اركان النظام السابق سواء كانوا بعثيين او غير بعثيين، من تولي مناصب قيادية في الدولة، لذلك يجب عليها ان تتأكد من المعلومات المقدمة لها ونوايا الاشخاص الذين قدموها مئة بالمئة قبل ان تعلن عنها للرأي العام العراقي لأن اتهامات من هذا القبيل تترك اثارا لا تمحى على حياة الاشخاص المتهمين وسمعتهم ونفسيتهم، حتى وان اتضح لاحقا أنها غير صحيحة واعلنت الهيئة عدم صحتها وبراءة المتهمين بها، يجب أن نسجل للهيئة جهودها لابعاد شخصيات لعبت دورا في دعم النظام السابق ومكنته من تنفيذ جرائمه بحق ابناء الشعب العراقي الابرياء، عن المواقع المؤثرة في الدولة العراقية، واعتقد ان معظم العراقيين يعارضون بقوة عودة قيادات حزب البعث المنحل واعضائه الناشطين الى صدارة الحياة السياسية والادارية والاكاديمية وبالتأكيد القضائية، لما سببه هذا الحزب من كوارث للعراق وأهله، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون تجريد البلاد من خبرات وطاقات هي في امس الحاجة اليها، خصوصا تلك الطاقات التي تقف الآن في الصف الوطني وتعمل من اجل العراق الجديد وانصاف المظلومين فيه.
إن كانت هناك شكوك لدى الهيئة حول اي شخص فعليها ان تتحقق منها قبل الاعلان عنها.فرأفة بالعراقيين المخلصين ايها الاخوة في الاجتثاث ورأفة بالعراق الذي يحتاج الى جميع الطاقات والخبرات حتى اولئك الذين اضطروا يوما لسبب من الاسباب الى الانتماء الى حزب البعث او مسايرته حفاظا على انفسهم واهليهم وأموالهم من الذين لم يرتكبوا جرائم او تجاوزات خطيرة. الكل يعلم ان حزب البعث كان يفرض الانتماء اليه على الناس فرضا، وانه لو كان هناك من خيار امام الناس لما انتمى الى البعث إلا قلة من العراقيين. فمن اراد التوظف في اي مجال او الدراسة في اية مرحلة او دخول الجيش او الشرطة باية رتبة فليس امامه خيار سوى الانتماء الى حزب البعث، وهذه حقيقة يعرفها العراقيون جميعا. ولم يفلت من هذه الدوامة الا الذين دخلوا السجون او فروا الى الخارج او عملوا في الاعمال الحرة او كبار السن ممن أسسوا حياتهم قبل مجيء البعث ومن صمد وخاطر بحياته ورزقه، علينا ان لا نتوقع من الناس جميعا أن يكونوا ابطالا او مخاطرين بحياتهم وسلامتهم ومصادر عيشهم.هنيئا لشهدائنا الذين ضحوا بانفسهم من اجل الحق وتحية اجلال واعجاب لكل من صمد وواجه حزب البعث باي وسيلة وما الحرية التي ننعم بها اليوم الا ثمرة لتضحيات الشهداء والمناضلين الابطال، ونحن مدينون لهم بذلك ابد الدهر. وفي الوقت نفسه نحن بصدد بناء دولة جديدة خالية من الاحقاد متصالحة مع ابنائها جميعا، وهذه الدولة لن تبنى الا بالتسامح والصفح. يؤسفني القول ان بعض الاتهامات التي تطلقها هيئة اجتثاث البعث، في غير اوانها، ولا تأخذ المصلحة الوطنية بنظر الاعتبار، بل اصبحت تعرقل تقدم البلاد ولا تحقق الهدف الذي أنشئت الهيئة من اجله. قد يغضب اخواني واصدقائي الاعزاء في هيئة الاجتثاث من هذا الكلام، وهم يعرفون جيدا مدى حرصي الشديد على الهيئة ومستقبلها واهدافها، لكن عليهم ان ينصتوا قليلا الى آراء الاخرين الحريصين على مستقبل العراق واهداف الهيئة في الوقت نفسه. ان الاخطاء التي ترتكبها الهيئة غير مبررة وهي بالتأكيد سوف تستخدم ضدها في المستقبل من قبل الداعين الى الغائها، لذا ندعوا القائمين عليها ان يدققوا ويمحصوا في المعلومات التي تصلهم ويتأنوا قليلا ويقابلوا الاشخاص المعنيين قبل الاعلان عن قراراتهم.