ترامب إذ يدعم متشددي إيران
المدى، ١٦ نيسان ٢٠١٨
كانت الولايات المتحدة قد اعتبرت الاتفاق النووي مع إيران المعقود في عام 2015 إنجازاً دولياً كبيراً، لأنه جنّب العالم خطر حصول إيران على السلاح النووي ومكّن وكالة الطاقة الذرية من مراقبة التسلح الإيراني عن كثب. إلا أن هذا “الإنجاز” لم يعد كذلك بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، إذ عده نكسة كبيرة للسياسة الأمريكية ونصراً لإيران. فأي الإدارتين على حق؟ إدارة أوباما التي اعتبرته نصراً للأسرة الدولية أم إدارة ترامب التي اعتبرته نصراً لإيران؟
كما ينظر ترامب من زاوية النفع المادي أيضاً، إذ يرى أن الاتفاق مفيد لإيران، لأنه رفع عنها العقوبات الدولية التي كانت كبلت اقتصادها بقيود مدمرة، ومفيد للأوروبيين الذين لديهم مصالح اقتصادية مع إيران، وكذلك لروسيا، حليفة إيران وشريكتها التجارية الكبرى إلى جانب الصين، لكنه لا ينفع الولايات المتحدة التي لا تملتك حالياً أي علاقات اقتصادية أو سياسية مع إيران. كما أنه يهدد إسرائيل، باعتبار أن الخطر الإيراني المحتمل يستهدف إسرائيل بالدرجة الأولى.
ولكن ماذا يمكن إدارة ترامب أن تفعله الآن تجاه هذا الاتفاق؟ التصعيد مع إيران لن يحل المشكلة بل يزيدها تعقيداً لأنه يعزز كفة المتشددين الذين ضعفوا كثيراً منذ تولي حسن روحاني الرئاسة. إعلان الحرب على إيران ومحاولة إسقاط النظام لن تنجح بل تزيد الأمور تعقيداً، خصوصاً مع وجود شعب إيراني معبأ ضد أمريكا والغرب، كما إنها ستقود إلى وقوف دول وشعوب كثيرة مع إيران. والغريب أن ترامب كان يدعو إلى الحد من الاهتمام بالعالم الخارجي والتركيز على السياسة الداخلية وذكر مفاخراً انه وقف ضد الحرب في العراق وأفغانستان. كما إنه لا يحمل أي أيديولوجية تغييرية، كما كان جورج بوش مثلاً، بل يتركز اهتمامه ومعرفته على السياسة الاقتصادية فحسب، وهذا وحده لا يكفي للزعامة السياسية خصوصا لدولة عظمى كالولايات المتحدة.
اتسمت سياسات ترامب بالتخبط منذ توليه الرئاسة، بل منذ بدء حملته الانتخابية، وذلك لقصر خبرته السياسية وعدم وضوح الأهداف التي يتبناها، باسثناء رغبته في أن يصبح رئيساً. لقد عيَّن في عامه الأول وزيرين للخارجية وثلاثة مستشارين للأمن القومي، وهذا غير مسبوق تأريخياً، وانتهى به الأمر إلى تعيين صقرين متشددين، هما مايك بومبيو وزيراً للخارجية وجون بولتن مستشاراً للأمن القومي، وكلا الرجلين معاديان لإيران ويتبنيان إطاحة النظام.
قد تتخذ إدارة ترامب قراراً بالانسحاب من الاتفاق الشهر المقبل، لكن مثل هذا الانسحاب سيكون مخالفة لقرار الأمم المتحدة وتعليمات وكالة الطاقة الذرية التي تؤكد التزام إيران بالاتفاق، وافتراقاً مع الحلفاء الأوربيين المتمسكين بالاتفاق، واصطداما مع روسيا المتحالفة مع إيران. والأخطر من كل هذا إنه يزيل الرقابة الدولية عن البرنامج النووي الإيراني، ويقوي سلطة المتشددين في إيران ويعيق الانفتاح وتطور النظام السياسي الذي يطالب به غالبية الإيرانيين. الموقف الأسلم بالنسبة لواشنطن هو التمسك بالاتفاق النووي الذي تلتزم به إيران ودول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرون ومعها تركيا وصربيا، ثم العمل على انتزاع تنازلات أخرى من إيران بخصوص الصواريخ البالستية وإيقاف تدخلاتها في دول المنطقة.
حميد الكفائي
http://almadapaper.net/Details/209835/ترامب-إذ-يدعم-متشددي-إيران