يقول عالم الاجتماع السياسي جون رولز إن المجتمع الحديث يرفض الاضطهاد وإن سعت مجموعة سياسية أو اجتماعية لممارسة الاضطهاد ضد مجموعة أخرى فإن المجتمع بأجمعه سيقف ضد هذا الاضطهاد. وها هم العراقيون اليوم يقفون صفا واحدا ضد الاضطهاد، خصوصا وأنه يمارس باسم الدين والمذهب.
من المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا هي جهل السياسيين في الشؤون السياسية والاقتصادية والدينية وعدم اطِّلاعهم على تجارب الشعوب الأخرى في التعايش السلمي والنهوض الاقتصادي، كم من سياسيينا اطلع على التجارب الناجحة في المصالحة الوطنية أو التحول الديموقراطي أو الإصلاح الاقتصادي؟ للأسف، هدف السياسي عندنا هو الوصول إلى المنصب، وعندما يجلس على الكرسي، فإنه يتوهم بأنه حقق «المُنى» وبلغ غاية الطموح، بينما الوصول إلى المنصب ليس إنجازا، وقد يحصل لأسباب كثيرة لا تتعلق بالخبرة أو الكفاءة أو القدرة، كما حصل في الحكومات المتعاقبة، خصوصا الحكومة الأخيرة، ولو استعرضنا عدد الرؤساء والوزراء والوكلاء والسفراء في العراق منذ 2003 لوجدنا أن عدد المؤهلين منهم قليل جدا، بلوغ المنصب ليس إنجازا بقدر ما هو فرصة للنجاح، والأخير يعتمد على التصميم والخبرة والمعرفة بالتجارب الناجحة للاستفادة منها في التجربة الجديدة.
قليلون هم الذين يقاومون سحر المنصب، وحتى مثقفون كبار مثل جابر عصفور، تلقفوا المنصب الوزاري من دون تفكير عميق، لكن ما يسجل لجابر عصفور أنه غادره راكلاً إياه بقدميه بعد أسبوع واحد، عندما أدرك خطأه.
فاكلاف هافل، مثقف تشيكي قفز إلى الرئاسة في لحظة الثورة، لكنه تمسك بالرئاسة ولم يقدم أي إنجاز، بل عاش في أحلامه وأوهامه ولم يخدم تشيخيا مطلقاً لعدم إلمامه بما تتطلبه الرئاسة من معرفة سياسية واجتماعية واقتصادية وإدارية. ليخ فاليسا، نقابي بولندي قفز إلى الرئاسة في بولندا في لحظة هيجان عاطفية، ولكن بعد فترة رئاسية واحدة، لفظه البولنديون لجهله في السياسة والإدارة.
هناك حاجة ماسة لأن يتحلى السياسيون، ومن يتولون المناصب العامة، بقدر من الثقافة والمعرفة في شؤون المجتمعات الحديثة كي يبقوا على تماس مع حياة الناس المعاصرة ويبتعدوا عن الحقب الزمنية الغابرة. أفكار الناس ومزاجها في حالة تغير مستمر، وهذه طبيعة الحياة، ومن يتحجر وهو في دفة المسؤولية، سيلحق أضرارا ببلده، وسيتجاوزه الزمن وينتهي به الأمر خارج التأريخ والجغرافية.
لقد تعرض العراق إلى أبشع عملية نهب في التأريخ، شارك فيها (صائمون مصلون مزكون حاجون مجاهدون)! وكل أربع سنوات يقدم هؤلاء (المؤمنون الأتقياء) الوعود بالجملة للشعب العراقي، فيذهب الناس إلى صناديق الاقتراع ويصوتون لهم على أمل أن تتغير الأوضاع، لكن العكس حصل، فكل شيء سار نحو الأسوأ بالنسبة للشعب، بينما تحسنت أوضاع القادة الأتقياء الذين بنوا القصور وامتلكوا الأراضي وكسبوا الأتباع ووظفوا الأقارب وافتتحوا أبواقاً للتطبيل لأنفسهم وتبرير مواقفهم أو تغييرها بحسب المزاج.
مهدي الصميدعي: لا يجوز تقديم التهنئة للمسيحيين في أعياد الميلاد
الحلقة المفرغة التي تطورت عبر هذه الممارسات هي أنهم كلما تمددوا، ازدادت حاجتهم إلى المال وازداد جشعهم وتعديهم على المال العام.
القوانين لن تحميكم يا سادة. فقد تماديتم في استغلال الدين حتى أبعدتم الناس عنه ولم يعد هناك من يصدق بأقوالكم ووعودكم ومدعياتكم، لستم بأحرص على المقدسات من أي فرد عراقي، متدينا كان أم غير متدين، فالعقائد محترمة وهي جزء من ثقافة الناس ولا أحد يعارض أداء الطقوس، إن كانت تُؤدى دون تعطيل لعجلة الحياة والإضرار بمصالح الناس. المطلوب بإلحاح من المسؤولين جميعا، قبل أن تجتاحهم موجة الغضب الشعبي وتقذف بهم في مهاوي الردى، هو ترك الناس يعبّرون عن آرائهم ومشاعرهم بحرية، كل على طريقته الخاصة، حتى وإن كانت تعابيرهم غاضبة أو بدت مسيئة أحيانا، فهذا هو الحد الأدنى للعيش الكريم في بلد منكوب بالفساد والجهل.