الرؤية الأماراتية: 26 يناير/كانون الثاني 2020
يتساءل كثيرون، لماذا تقدمت مجتمعات معينة بينما تباطأت أخرى أو تراجعت؟
هناك تفكير سائد بأن سبب التقدم هو السياسات التي تتبعها الحكومات، وأن الشعوب المتأخرة هي ضحايا لفشل حكوماتها، والحقيقة مختلفة قليلاً، فالحكومات هي غالباً نتاج شعوبها، وهي وإن كانت مؤثرةً وفاعلة، لكن السلوك الثقافي لأفراد المجتمع ذو أثر فاعل في تسريع حركة التقدم أو إعاقتها.
الوئام المجتمعي والتفكير العقلاني يعجّلان حركة التقدم ويرفدانها بمصادر القوة، والحكومة وحدها لا تستطيع أن تنجز الكثير إن كثُر المناهضون لمسار الدولة.
وصنّف رولز المجتمعات إلى ثلاثة:
الأول: منظم ومنسجم ولا يعاني انقساماً عميقاً، وأعضاؤه يعتنقون مبادئ عقلانية، وفي هذا المجتمع يجب إبعاد العقائد الدينية كلياً عن الحيز العام.
الثاني: منظم لكنه يعاني انقساماً عميقاً حول تطبيق مبادئ العدالة، وهنا يسمح بدور محدود للتداخل بين الدين والدولة، كأن تقدم الدولة دعماً للمدارس الدينية.
الثالث: غير منظم ويعاني من انقسامات عميقة حول الثوابت الدستورية، وهنا يسمح بدخول العقائد الدينية الحيز العام، شريطة ألا تناقض مبادئ العقلانية.
ويرى البروفيسور نكلوس ترينور أن رولز يؤمن بأن مصلحة الدولة والمجتمع تقتضي إبعاد الجدل الديني عن السياسة والإدارة، لأنه يزعزع تماسك المجتمع، فالمسائل الدينية خلافية، لذلك يجب حصرها في المجتمع المدني الذي يرعى العقائد والأفكار، بينما تتفرغ الدولة للقيام بواجباتها الأساسية، وهي صيانة حقوق المواطنين وحرياتهم وتوفير الخدمات الأساسية لهم.
لكن رولز أجاز دخول الجدل الديني مؤقتاً في المجتمعات التي تعاني الانقسام، من أجل تسهيل قبولها لمبدأ الفصل بين الدين والسياسة.
ويرى علماء السياسة أن الخلافات السياسية بين الحكومات ومعارضيها، يجب ألا تتجاوز 30%، والمشتركات يجب ألا تتدنى دون 70%، فكلما اتسع الانقسام ضعفت الدولة وتراجع المجتمع.
وتجارب الشعوب تؤكد أن الدول التي زادت فيها الخلافات حول المبادئ الأساسية ضعفتْ وتفككت، والمتضررون هم المواطنون، والمستفيدون هم مثيرو الفتن.
حميد الكفائي
https://www.alroeya.com/119-87/2193284-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A6%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85
Attribution: Photo from: http://blasiuscounseling.com/