هذه المداخلة ستقرأ في المؤتمر التأسيسي الأول لـ”منظمة الدفاع عن الأقليات”الذي سينعقد في زيورخ في 24/3/2007 والذي ينظمه المهندس المصري المعروف عدلي أبادير يوسف الذي شاء أن يكرس وقته وماله ليس لخدمة قضية الأقباط العادلة وحسب بل وأيضاً لخدمة قضايا جميع الأقليات في أرض الإسلام، التي تجلد في اليوم بألف سوط وتداس في اليوم بألف قدم. كنت أود لو كان الاسم هو “منظمة الدفاع عن الأقليات والنساء”؛ لأن معاملة النساء في أرض الإسلام لا تقل فظاظة وفظاعة على معاملة الأقليات. قررت نشر مداخلتي قبل المؤتمر أملاً في إثارة نقاش حول المؤتمر والأقليات لتشخيص المشكلات وتوضيح الرهانات؛ وهو نقاش ضروري أتمني أن يتواصل ويتعمق ويتسع نطاقه عسى أن نقطع الطريق على الحروب الإثنية والدينيةواللغوية وخاصة الحرب السنية ـ الشيعية الناشبة في باكستان والعراق والداهمة في لبنان الحبيب والكامنة في أكثر من بلد .التعريف المتعارف عليه للأقلية هو “مجموعة بشرية أقل عدداً بالنسبة لباقي سكان دولة ما في موقع غير سائد، يمتلك أعضاؤها، من وجهة النظر الاثنية، الدينية واللغوية، خصائص تختلف عن باقي خصائص السكان وتعبر، ولو ضمنياً، عن الإحساس بالتضامن ، بقصد حماية ثقافتهم، وتقاليدهم، ودينهم، ولغتهم”. لكن هذا التعريف غير جامع إذا طبقناه على أرض الإسلام حيث تحكم أحياناً بالغلبة، الأقلية أغلبية السكان حارمة لهم من حقوقهم السياسية، الاقتصادية،الاجتماعية، الثقافية، الدينية والقومية،كما كان الحال في العراق القديم حيث حكمت الأقلية السنية الأغلبية الشيعية والأقلية الكردية واضطهدتهما شر اضطهاد. لذا على منظمة”الدفاع عن الأقليات” والنساء أن تأخذ هذه الخصوصية بعين الاعتبار، فتعترف لكل مجموعة سكانية، حتى ولو كانت أكثرية إحصائياً، لكن الحكومة الاستبدادية في بلادها تهضم حقوقها المشروعة، بوضع الأقلية.وضع الأقليات الدينية، الاثنية، القومية واللغوية في أرض الإسلام مأساوي. حتى القرن الثامن عشر، كانت هذه الأقليات في وضع أقل مأساوية من وضع الأقليات في أوربا حيث كانت الأقليات الخارجة عن الكنيسة الكاثوليكية وخاصة الأقلية اليهودية تتعرض لجميع ألوان الاضطهاد بما فيها الحرق والمذابح ، مثلاً في أسبانيا التفتيشية كابدت الأقليتان المسلمة واليهودية أهوال محاكم التفتيش. لكن منذ قرن فلسفة الأنوار حيث ساد العقل في الحقل الفكري والعلمي وبدأت بذور الحكومة الصالحة في النمو، انحسر اضطهاد الأقليات في أوربا،خاصة الغربية، باستثناء قوسي الحكم الهتلري والستاليني والصربي اللذين سرعان ما أغلقا. وفي المقابل لم يتحسن شرط الأقليات والنساء في أرض الإسلام بل ازداد سوءاً.عرف القرن العشرون وحده أبشع أنواع اضطهاد الأقليات والنساء في أرض الإسلام. ففيه ارتكبت تركيا مذبحة مليون أرمني، واضطهدت وما تزال الكرد، كما اضطهدهم العراق البعثي، ومقتلة حلبجة بالأسلحة الكيماوية شاهد أبدي على عذاب الكرد، كما اضطهد الشيعة بكل ألوان الاضطهاد بما في ذلك دفنهم أحياء. اضطهد السودان، خاصة الإسلامي منذ 1989، المسيحيين والإحيائيين في جنوب السودان، وهو الآن يضطهد الأقلية الإفريقية في دارفور الذي توشك أن تكون، على قول الفيلسوف الفرنسي برنارد هنري ليفي العائد حديثاً من دارفور، أول حرب إبادة في القرن الحادي والعشرين حيث قتلت ميلشيات النظام السوداني، الجنجويد،بين 200 إلى 300 ألف دارفوري وهجروا 2,5 مليون دارفوري، ومازالت المقتلة مستمرة في اللامبالاة شبة الكاملة من الإعلام العربي وغالبية المثقفين المسلمين مما يشهد على أن صحتهم الذهنية والأخلاقية ليست بخير! تكابد الأقليات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية من سنة وبلوش وعرب وزرادشت وبهائيين ويهود اضطهاداً شنيعاً. السنة في طهران محرومون من حقهم في العبادة في مساجد خاصة بهم ومقاتلوا ميلشياتهم، جند الله، يعدمون بالجملة في محاكمات ميدانية صورية. مقبرة البهائيين في طهران دنست وربما حولت إلى حديقة عامة؛ كما تكابد الأقليات الشيعية في باكستان ومعظم دول الخليج اضطهاداً مزدوجاً سياسياً ودينياً، آخر وقائعه إفتاء يوسف القرضاوي بتحريم الزواج منهم وتزويجهم. وتضطهد الأقليات المسيحية في كل مكان تقريباً من أرض الإسلام!.أما اضطهاد النساء في أرض الإسلام على مر العصور ، خاصة منذ القرن العشرين الذي بدأ فيه شرط المرأة يتحسن في العالم خاصة بعد صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 وملحقاته، فهو واقعة فضائحية؛ إرادة النساء مصادرة دائماً، فهن في الإسلام عديمات الأهلية القانونية ، جميع حقوقهن الاقتصادية، السياسية والإنسانية مسلوبة. تأكيداً لدونيتهن واحتقارهن وتبعيتهن للرجال، فقد تم تشريع ضربهن، وجلدهن ، ورجمهن حتى الموت. وقد رجمت الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال عشر سنوات [1979 ـ 1989] 1200 إمرأة ، والحال أن الخلافة العباسية رجمت خلال خمسة قرون[ 750 ـ 1258] أقل من 300 امرأة ! ولم “تعلق” الجمهورية الإسلامية الإيرانية حد الرجم الشرعي إلا سنة 2001 بطلب من الاتحاد الأوربي! أما نساء الأقليات فيكابدن في أرض الإسلام اضطهاداً مزدوجاً : مرة كنساء، ومرة كمنتميات للأقليات؛ مثلاًً المرأة غير المسلمة يسقط حقها ، بمقتضي الشريعة الإسلامية، في حضانة أطفالها من أب مسلم، ويسقط حقها في إرث زوجها وأبنائها المسلمين … إنها الدرجة صفر من احترام حقوق الإنسان، والمرأة ، والطفل، والأقليات، أليس كذلك؟!.لماذا هذا الاضطهاد للأقليات والنساء والأطفال في أرض الإسلام؟ أساساً، لأن الإسلام ظل ديناً بدائياً لأنه لم يعرف الإصلاح الديني، وتالياً لم تتم مصالحته مع القيم الإنسانية والعقلانية الحديثة التي تحترم الإنسان بما هو إنسان ـ محض ـ إنسان.ما العمل؟”منظمة الدفاع عن الأقليات” والنساء جزء من المجتمع المدني العالمي. وبصفتها تلك فهدفها هو أن تكون قوة اقتراح تطالب الحكومات المعنية باحترام حقوق الأقليات والنساء، ثم تطالب المجتمع المدني العالمي ، والإعلام العالمي، والدبلوماسية الدولية، ومجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بالتدخل لفرض احترام هذه الحقوق المكفولة باتفاقيات دولية، مما يفرض على “منظمة الدفاع عن حقوق الأقليات” والنساء الممارسة النظرية ـ العملية لمهامها للإسهام، مع المجتمع المدني العالمي، في إدخال مؤسسات وقيم الحداثة إلى أرض الإسلام التي مازال المشروع الديني المعادي للأقليات والمرأة والطفل والإنسان سائداً فيها.المهمة الأولي التي تتفرع عنها باقي المهام هي توعية الأقليات والنساء بحقوقهن المشروعة وبأفضل الوسائل لفرض احترامها والاعتراف بها. الوسيلة المثالية هي اللاعنف إلا في الحالات التي يكون فيها العنف دفاعاً شرعياً ضرورياً ضد عنف الدولة كما في جنوب السودان ودارفور بشرط عدم المساس بالمدنيين الإجرامي مرتين: مرة لأنه فعل إرهابي ، ومرة لأنه أفضل وصفة لخسارة الرأي العام العالمي الذي هو قوة المستضعفين الضاربة في القرن الحادي والعشرين.نقطة الانطلاق لإصلاح الإسلام ولتحديث شرط الأقليات والنساء هو العلمانية، التي بفصلها بين الديني والسياسي وإحلالها للدستور والقانون الوضعيين محل الشريعة أو القوانين نصف الوضعية التي تستلهمها، تخلق الشروط الضرورية لظهور المواطنة الحديثة، أي الكاملة، الكفيلة بتحرير الأقليات والمرأة في أرض الإسلام.التاريخ، أي مسار تطور العلم والتكنولوجيا على حساب الفكر السحري، الأسطوري والديني، هو محصلة صراع مديد بين الاتجاه التاريخي الشاخص إلى المستقبل، والاتجاه التاريخي المضاد المهووس بعبادة ماضي الأسلاف. الصراع بين هذين الاتجاهين المتعاكسين هو محرك التاريخ. تجلى هذا الصراع في أوربا القرون الوسطي، ويتجلى في أرض الإسلام اليوم، في الصراع الدامي بين دعاة الاحتكام ، في الدنيوي، إلى العقل الإلهي، ودعاة الاحتكام فيه إلى العقل البشري، بين دعاة حق الإنسان في تقرير مصيره في التاريخ، وبين دعاة التدخل الرباني في التاريخ، بين دعاة قوة الحجة العقلانية لحسم النزاعات بين البشر، وبين دعاة حجة القوة التي تسلح بها اللامعقول الكاثوليكي بالأمس والإسلامي اليوم في حربه الدائمة على المعقول السياسي،الفلسفي والعلمي، وبين دعاة الدولة المدنية المعبرة عن إرادة الإنسان الجمعية، وبين دعاة الدولة الدينية المعبرة عن إرادة الله كما عرّفتها كنيسة القرون الوسطي، أو كما يعرفها مسجد القرن الحادي والعشرين، وبين دعاة القانون الوضعي العام الذي يصنعه العقل البشري العام بدوره، وبين القانون الشرعي الطائفي الذي يصنعه العقل الإلهي الخاص بكل طائفة دينية. هذه الملحمة الدامية بين المعقول واللامعقول توجت، منذ فلسفة الأنوار بانتصار العقل، في المجال الفكري والعلمي، على النقل. تجسد هذا الانتصار أخيراً في ظهور الدولة العلمانية، الوحيدة في التاريخ التي شكلّت دولة لكل مواطنيها بلا استثناء،على الدولة الطائفية التي تستثني من التمتع بحقوق المواطنة الكاملة من ليسوا على دينها من مواطنيها فضلاً عن النساء.ما هي مزايا الدولة العلمانية للأقليات في أرض الإسلام ولجميع ساكنة أرض الإسلام؟ هي الاعتراف بالمواطنة الكاملة لجميع المواطنين بقطع النظر عن خصوصياتهم الاثنية ، الدينية واللغوية. حجر الزاوية، للدخول إلى الحداثة بما هي انتقال الإنسان من سن القصور إلى سن الرشد، أي من التوكؤ على عكاز العقل الإلهي إلى الاهتداء بنور العقل البشري، والدخول إلى الحداثة السياسية بما هي انتقال من شرط الرعية إلى شرط المواطن، هو الاعتراف لجميع سكان أرض الإسلام بالمواطنة الحديثة بما هي مساواة تامة في الحقوق والواجبات كافة بين الرجل والمرأة، وبين المسلم وغير المسلم، وبين أبناء الأقليات وأبناء الأغلبية. المواطنة الكاملة تترجم نفسها في المساواة أمام القانون والمساواة في الفرص حسب المبدأ الوحيد: الكفاءة: الإنسان المناسب في المكان المناسب. فقط، الدولتان العتيقتان، الإسلامية والعنصرية هما اللتان لا تعترفان لجميع مواطنيهما بهذه المساواة: دولة إفريقيا الجنوبية العنصرية كانت لا تعترف للسود بالمواطنة الكاملة بل تعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية، والدولة الإسلامية أو شبه الإسلامية في أرض الإسلام اليوم لا تعترف لا للمرأة ولا لغير المسلم بالمواطنة الكاملة. لماذا؟ لأن هذه الدولة مازالت ما تحت ـ دولة لا تستمد شرعيتها من الدستور والقانون الوضعيين، بل تستمدها من التزامها بالشريعة الإسلامية التمييزية التي تحظر على المرأة تقلد الوظائف العامة، وتحرّم عليها حتى الزواج ممن تحب إذا لم يكن مسلماً لعدم “التكافؤ في الدين”، وبالمثل تعتبر هذه الشريعة غير المسلم “أهل ذمة” أي مجرد مقيم غير مرغوب فيه، برسم التهجير،لا يحق له، كالمرأة المسلمة، تقلد الوظائف العامة، ولا الزواج من المسلمة، ولا حتى دراسة الطب النسائي، كما في مصر، حتى لا يكشف عن المرأة المسلمة!.الدولة الإسلامية، الطائفية تعريفاً، حاملة للحروب الدينية والاثنية واللغوية،،إذن لعدم الاستقرار الذي يعيق التنمية . وهكذا فالدولة العلمانية فرصة ليست للأقليات وحسب بل وللأغلبية أيضاً، لأنها تقيها من الحروب الدينية والاثنية واللغوية التي تطرق الآن الأبواب في أكثر من بلد في أرض الإسلام. لم تخرج أوربا من الحروب الدينية إلا بفصل الدين عن الدولة، وتالياً الاعتراف بالمواطنة الكاملة لجميع مواطنيها ؛ ولم تغدو الهند ديمقراطية لكل مواطنيها إلا بفضل العلمانية التي أقامت التعايش السلمي بين فسيفساء طوائفها بما فيها الإسلامية. ولن يكون الأمر مختلفاً على الأرجح في أرض الإسلام.من مزايا العلمانية الأخرى، أنها السبيل الوحيد لتكوين وعي قومي عام يتخطى الخصوصيات الدينية، الاثنية واللغوية دون أن يلغيها. وهكذا تحول العلمانية المجتمع المذرر طائفياَ ولغويا واثنياً إلى مجتمع متماسك برباط المواطنة الذي يسمو على الروابط الثانوية. رابط المواطنة هو المرقاة إلى الديمقراطية، التي هي منذ الآن شكل الحكومة الصالحة. لا سبيل للديمقراطية في الدولة الإسلامية أو شبه الإسلامية التي تحرم النساء وغير المسلمين من المساواة في الفرص، إذ تحظر عليهم تقلد المناصب العامة التي هي “مجال محفوظ” للمسلم الذكر حصراً، كما تسلبهم حرياتهم الأساسية.وباختصار،الحكومة العلمانية الديمقراطية هي الحكومة الصالحة في القرن الحادي والعشرين. تجربة الحكومة الإسلامية في أفغانستان، المجاهدين وطالبان، وفي إيران والسودان برهنت على أنها في جميع المجالات بما فيها الديني، النقيض المباشر للحكومة الصالحة، وفضلاً عن ذلك محضّنة للحروب الاثنية والدينية. شهادة حسن الترابي ضد مثالب الحكومة الإسلامية، التي كان صاحب القرار الأول فيها طوال 12 عاماً [1989 ـ 2000] ، في هذا الصدد، هي عبرة لمن يعتبر:” قيادات الإنقاذ لم تكن واعية لفتنة السلطة (…) فقد قفزت الحركة الإسلامية إلى السلطة دون تجربة واعية أو برامج، ونزلت عليهم أموال الشعب بلا رقيب ففسدوا كلهم إلا قليلا. السلطة أفسدتهم وصلواتنا وحجنا كانت معلولة [باطلة] وأصبح الأمين عندنا لصاً بعد السلطة” (من خطاب الترابي في مؤتمر الشعب، الشرق الأوسط 16/3/2007). ما كان الترابي ليكابد مثل هذا الشعور الساحق بالعار والذنب عن حجه وصلواته “المعلولة”، هو وإسلاميو السودان، لو أنه وإخوته في الإيمان تخلوا عن السياسة، التي أفسدت الإسلاميين وأفسدوها، وحصروا بدلاً من ذلك نشاطهم في الشأن الديني حفاظاً على “صحة حجهم وصلواتهم”؛ ولو أن حسن نصر الله فعل الشيء ذاته لما قضي “ليالي الحرب باكياً” ندما على خطف الجنديين الإسرائيليين اللذين ما كان ليخطفهما، باعترافه، لو كان يعلم أن عاقبة ذلك ستكون”نصف واحد في المئة” من الخسائر التي ألحقتها إسرائيل بلبنان، ولما زج بنفسه مؤخراً في نقاش تاريخي لا يملك مؤهلاته متجنياً عن ابن خلدون الذي،حسب زعمه،”برر جريمة يزيد ضد الحسين” وهو زعم غير دقيق؛ ولو أن هاشمي رفسنجاني تخلي عن عمامته، عندما التحق بالسياسة، لما ورط نفسه، مع القرضاوي، في نقاش فقهي عقيم أحرجه فيه أمام مشاهدي “الجزيرة” طالباً إياه بـ”التوقف عن سب الصحابة وعائشة”، وهو ما لم يستطع رفسنجاني التعهد به لأن ذلك مرادف لتخليه عن دينه … ولو كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علمانية لما حرمت، كما يقول النواب السنة في “المجلس”:” مليون سني من بناء مسجد خاص بهم في طهران” مما اضطرهم إلى أداء صلاة الجمعة في الحدائق، ولما هدمت مساجد سنية، ولما أغلقت عشرات المساجد السنية في عشرات المدن الإيرانية، ولما حرمت 20 مليون سني من حقوق المواطنة الكاملة، أي من المشاركة السياسية. فهم ممنوعون من تقلد أي منصب سياسي في الجمهورية الإسلامية على غرار الأقليات الأخرى التي يحق لنا وصفها بأنها “منكوبة”. وهو ما ينطبق على الدولة السنية في أرض الإسلام التي مازالت هي الأخرى سجناً بلا جدران لجميع الأقليات؛ ولو كانت الجمهورية الإسلامية علمانية لما منعت التبشير السني فيها. بالمثل لو كانت الدول السنية علمانية لما اعتبرت التبشير الشيعي فيها “عدواناً” على عقيدتها، كما زعم القرضاوي، الناطق بلسان حالها. في العلمانية من حق كل دين التبشير بنفسه،خارج المدارس، دون إذن من أحد.هذا الواقع المرير يتطلب من جميع الأقليات، وفي مقدمتها الأقليات الشيعية في الدول السنية والأقلية السنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبني العلمانية كمطلب أول لانتزاع حقوقها من الدولة الإسلامية،السنية والشيعية، التمييزية تعريفاً.على “منظمة الدفاع عن الأقليات” والنساء أن تركز نشاطها الفكري والسياسي للمطالبة بفرض علمانية الدولة في الدساتير والقوانين وخاصة الممارسة اليومية والسياسية؛ إذ أن الاعتراف بحقوق الأقليات على الورق خدعة قديمة. دستور ستالين كان أكثر الدساتير احتراماً لحقوق الأقليات، لكن الأقليات في الاتحاد السوفياتي كابدت اضطهاداً دموياً نادراً في حوليات التاريخ؛ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعترف للأقليات بكثير من حقوقها لكن على الورق فقط. أما في الواقع فالأقليات تسام سؤ العذاب. الأقلية السنية تقول أن الجمهورية الإسلامية خططت لإبادتها خلال 50 عاماً. والأقليات اللغوية التي تشكل 30 % من ساكنة إيران ممنوعة من استخدام لغتها وقس عليها الكرد في تركيا والأمازيغ في الجزائر علماً بأن اللغة تشكل النواة الصلبة للهوية.ليس كالإعلام والتعليم والخطاب الديني المستنير لترسيخ حقوق الأقليات والنساء في الوعي الجمعي، وتشريبه ضرورة المواطنة العلمانية الكاملة . وهذا يفرض على علماء الإسلام،خاصة من الأقليات، الإسهام بنصيب الأسد في إصلاح الإسلام في موضوع الأقليات والنساء على الأقل. التعليم والإعلام والخطاب الديني هي جميعاً مسئولة أساساً عن هضم حقوق الأقليات والنساء. لابد إذن من خطاب إعلامي وتعليمي وديني جديد لإعادة صياغة الوعي الجمعي في اتجاه حماية حقوق الأقليات التي يعتبرها الخطاب السائد”طابوراً خامساً”. إذن لتحقيق هذا الهدف، تنبغي المطالبة بتدريس الناشئة تاريخ الأقليات في بلدانهم بموضوعية. المعرفة الموضوعية كفيلة بتحريرهم من الآراء المسبقة السائدة الآن؛ وكذلك تدريس المبادئ الأولية لديانات أقلياتهم لمكافحة ثقافة الكراهية الحبلي باضطهاد الأقليات والحروب الدينية.وأيضاً المطالبة بتدريس “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”(1948)،كما فعلت تونس،وتدريس “اتفاقية حماية الأقليات”(1993)، واتفاقية “منع العنف ضد النساء”(1994)، واتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”(1999).من مهام”منظمة الدفاع عن الأقليات”والنساء أن تتبني ـ وتجعل المجتمع المدني العالمي، والإعلام العالمي والدبلوماسية الدولية تتبني ـ المطالبة بإلغاء تدريس الشريعة والأمة الإسلامية والجهاد من التعليم الديني . وأن تتبني كذلك حظر تدريس الآيات والأحاديث والفتاوى المحرضة على عداء المرأة والأقليات غير الإسلامية أو الأقليات الإسلامية التي لها قراءات أخرى للإسلام مثل الأقلية الشيعية، في الدولة السنية، والأقليات السنية، في الدولة الشيعية، والدروز، والبهائيين، والعلويين، والخوارج، والإسماعيلية …إلغاء تدريس ثقافة كراهية الآخر، غير المسلم، والمسلم على طريقته، والمسلم النقدي، ضروري للتعايش السلمي بين الأديان والطوائف في كل بلد وفي العالم. تدريس الشريعة، المعادية لحقوق المرأة وغير المسلم وللمسلم النقدي، يتنافى مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق المكملة له التي أشرنا إليها قبل قليل؛ تدريس الأمة الإسلامية حيث تعلو رابطة الدين على الرابطتين القومية والإنسانية، يتنافى مع ضرورة ظهور الدولة ـ الأمة الحاملة للمواطنة الكاملة في أرض الإسلام؛ أما تدريس المبدأ الهاذي القائل بأن “الجهاد [جهاد الدفع وجهاد الطلب]باق إلى قيام الساعة” للقضاء على الأديان الأخرى،”المنسوخة والباطلة”، أي حوالي 300 دين، فهو أفضل وصفة لإشعال حرب أديان عالمية ربما كان المسلمون الخاسر الأكبر فيها.من الأهمية بمكان أيضاً، دفاعاً عن حقوق الأقليات والنساء، إصلاح الخطاب الديني بإلغاء تدريس الآيات والأحاديث المعادية لحقوق الأقليات والنساء ولحق المفكرين الأحرار في حرية التعبير. هذه الآيات السجالية والجهادية آيات تاريخية أنتجتها الظروف التي تطلبتها والجمهور الذي طلبها؛ وبما هي منتوج التاريخ، فالتاريخ يتجاوزها وينسخها، مثلها مثل الـ 500 آية التي يقول المعافري في كتابه “الناسخ والمنسوخ” أنها نسخت على عهد النبي، فضلاً عن الآيات والأحاديث التي واصل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ نسخها وكذلك بعض الفقهاء من بعدهم. لماذا نسخت هذه الآيات والأحاديث؟ لأن المستجدات التاريخية ومصالح الناس أقوي من كل النصوص الدينية والدنيوية؛ بما أن المستجدات لا تتوقف ومصالح الناس تتغير بتغير الزمان والمكان فالنسخ يبقي دائماً مطروحاً على جدول الأعمال لتكييف النص مع حقائق الواقع.وهذا ما بدأ يعيه اليوم عدد من الفقهاء والمفكرين المسلمين. لا شك أن عددهم موعود بالتزايد بانضمام الفقهاء غير المصابين بالإنطوائية إليهم. أقترح المفكر الإسلامي التونسي، محمد الطالبي، سنة 2006 نسخ آية ضرب النساء(جون أفريك 25/12/2006 ص 100)وفي مارس 2006 أفتي الشيخ حسن الترابي بنسخ 3 آيات معادية للنساء وغير المسلمين: الآية (11 النساء) التي تعطي للذكر مثل حظ الإنثيين في الإرث، والآية (282 البقرة) التي تعتبر المرأة نصف رجل في الشهادة قائلاً:”بل شهادة المرأة العالمة بأربعة رجال جهلة”، كما نسخ الآية (221 البقرة) التي تحرم على المسلمة الزواج من غير المسلم.هذا النسخ بالقطارة للآيات المتقادمة خاصة المعادية للأقليات والنساء غير كاف، لأنه غير مؤسس على مبدأ. لذلك لابد من إدراجه في مبدأ معرفي مؤسس يمكن أن نستنتج منه ضرورة نسخ جميع الآيات والأحاديث والفتاوى المتعارضة مع تبني المسلمين لمؤسسات، وعلوم وقيم الحداثة؛ مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات المتفرعة عنه لحماية الأقليات والنساء المذكورة أعلاه. هذا المبدأ مستمد من قراءة عقلانية للشريعة تقدم المصلحة على النص؛ نجد بذورها عند الشاطبي القائل:” وحيث المصلحة فثم شرع الله” وخاصة عند نجم الدين الطوفي، معاصر ابن تيمية ونقيضه، الذي أعطي الأولوية لـ”المصلحة العقلية على النص من كتاب أو سنة”. وهكذا فما أن تتعارض آية أو حديث مع مصلحة المسلمين في التقدم، أو مصلحة الأقليات والنساء في المواطنة الكاملة، أو مصلحة البشرية في الاستقرار والسلام، حتى تنسخ؛و يقبل الوعي الجمعي الإسلامي،الذي تم إنضّاجه، نسخها دون عقد أو شعور بالذنب.الإعلام والتعليم والخطاب الديني المستنير ستكون جميعاً الحامل لهذه الرسالة للأجيال المعاصرة والصاعدة. مهمتنا بهذا الصدد هي المطالبة بتدريس هذا المبدأ الناسخ الضروري. لماذا؟ لقد نسخ عهد الذمة سنة 1856 فلم يعد الأقباط والمسيحيون تحت الخلافة العثمانية يدفعون الجزية. لكن غياب هذا النسخ من الإعلام والتعليم والخطاب الديني أبقى عهد الذمة حياً في الذاكرة الجمعية الإسلامية. إلغاء اضطهاد الأقليات على الورق فقط قليل الجدوى. إذن فالمطلوب هو إلغاؤه من النفوس ومن الرؤوس بثالوث التعليم والإعلام والخطاب الديني. يمثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وملحقاته، مثل اتفاقية حماية حقوق الأقليات، منع العنف ضد المرأة، وتحريم جميع أشكال التمييز ضد المرأة وحقوق الطفل … الأخلاق المعاصرة التي عوضت الأخلاق الدينية القمعية والحرمانية القديمة. المجتمع المدني العالمي هو اليوم الحارس اليقظ لهذه الأخلاق الكونية المعاصرة، التي بدون احترامها تسقط البشرية في “حالة الطبيعة”، في حرب الجميع على الجميع، لكن هذه المرة في “حالة الطبيعة” فعليه أكثر مما هي تخييلية. دون شك هذه الأخلاق الإنسانية الكونية الجديدة ليست كاملة ولكنها قابلة للكمال. هي أكمل ما هو موجود ولكنها ليست أكمل ما هو منشود. المشجع، هو أنه بعدم انتهاكها وبعدم السماح بانتهاكها ، تفتح البشرية الآفاق أكثر نحو المجتمع المفتوح، نحو عالم أقل بؤساً، وأقل قسوة، وأقل خطراً وأقل ظلماً وأقل استغلالاً. إذا كانت مهمة الكائن البشري المركزية هي إعطاؤه معنى لحياته هنا والآن،فممارسة هذه الأخلاق والدفاع عنها كفيل بتلبية هذا الهدف.الدولة العلمانية ، المواطنة الكاملة، تعليم تاريخ الأقليات ومبادئ دياناتهم ولغاتهم، نسخ الآيات والأحاديث المعادية للنساء والأقليات، وممارسة الأخلاق المعاصرة والدفاع عنها، لن تعطي ثمارها كاملة إلا بشرطين أساسيين:الاعتراف بالفيدرالية أو ـ في الحالات الأخرى ـ باللامركزية الموسعة كشكلين دستوريين للدولة في أرض الإسلام. الفيدرالية مطروحة اليوم بحدة على جدول الأعمال في كل من العراق والسودان وربما غداً في تركيا وإيران ثم لبنان وسوريا وبعض بلدان الخليج. من المرجح أن تكون الفيدرالية نمط الحكومة الصالحة في القرن الحادي والعشرين في كل بلد متعدد دينياً، إثنياً ولغوياً. برهنت التجربة التاريخية إنها نجحت حيث طبقت سواء في العالم المتقدم أو النامي: في الولايات المتحدة الأمريكية، في ألمانيا الفيدرالية، في الفيدرالية السويسرية، في الفيدرالية الهندية وفي الفيدرالية الروسية، وفي الفيدرالية الكندية… وربما غداً في الصين. الفيدرالية تمكن الأقليات من تحقيق طموحاتها بعيداً عن وصاية الأغلبية التي حكمتها وقهرتها طوال قرون. من المهم، بهذا الصدد، دراسة الفيدرالية الكندية وخاصة الهندية التي مكنت هذين البلدين الديمقراطيين من تحقيق التعايش السلمي مع أقلياتهما الكثيرة.اللامركزية الموسعة تعطي الأقليات، التي لا يساعدها وضعها الجغرافي على ممارسة الفيدرالية كالأقباط في مصر مثلاً، إمكانية التعبير عن مطالبها وإدارة شؤونها المحلية بنفسها وتطوير ثقافتها ، ولغتها وممارسة شعائرها الدينية بحرية أكثر. الفيدرالية واللامركزية هما تاريخياً محضّنة التنوع الثقافي وتحرير المبادرة الفردية والجمعية من الأغلال البيروقراطية ، والأتوقراطية والثيوقراطية للحكومة المركزية.لذا لا ينبغي أن يكونا مطلباً للأقليات وحسب بل وأيضاً لباقي السكان. إذ أن تدبير الشؤون الإدارية لمنطقة أو محافظة سيصبح شأناً خاصاً بالسلطات المحلية المنتخبة، بعد أن كان حكراً على موظفي الدولة المركزية المعينين، الذين لا رقابة للسكان المحليين عليهم.تحقيق هذه المطالب الإصلاحية تدريجياً كفيل ببعث مسار تراكمي تساوي محصلته النهائية ثورة سياسية وثقافية سلمية تغير بنى أرض الإسلام وذهنيات سكانها.ختاماً أوجه نداءاً حاراً للمحسنين في كل مكان وخاصة في أرض الإسلام من أبناء الأقليات أو الأغلبية، لينضموا للمهندس عدلي أبادير يوسف لمساعدة”منظمة الدفاع عن الأقليات” والنساء من أجل عالم أفضل يطيب العيش فيه للجميع.