أيها الأصدقاء الأعزاء، المشاركون في افتتاح المعهد الدولي للحقوق، الذي يتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
أحييكم جميعا من الأعماق، وأتمنى لكم يوما سعيدا مليئا بالعمل والأمل، ويؤسفني كثيرا أنني لم أستطع أن أكون معكم، لكنني أتمنى أن نلتقي في فرص أخرى في المستقبل، في أربيل أو بغداد أو أي مدينة من مدن بلدنا الحبيب.
إن اليوم العالمي لحقوق الإنسان هو أهم مناسبة في التقويم العالمي، فهو اليوم الذي تبنت فيه الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وهو مناسبة لتذكّر ذلك الميثاق، وما منحه من حقوق لبني البشر في كل أصقاع الأرض، ولمقارنة ما حصل عليه الناس في مختلف أنحاء العالم من حقوق وردت في الميثاق، وما حُرموا منه تعسفا، ومدى التزام دول العالم ببنود هذا الميثاق العظيم.
في العاشر من ديسمبر من عام 2003، احتفلنا بذكرى الميثاق، وانتهزنا المناسبة لنعلن قرب ساعة بغداد قيام المحكمة الجنائية العراقية المختصة، التي أنشئت لمحاكمة منتهكي حقوق الإنسان العراقي خلال العهد السابق. كنا حينها نمتلئ بالأمل بأن أحلامنا العريضة بإقامة عراق ديمقراطي عصري مزدهر، تسود فيه الحرية ويُطبّق فيه القانون على الجميع على قدم المساواة، ويُجلَب فيه منتهكو حقوق الناس إلى القضاء، سوف تصير حقائق، وتكون جزءا لا يتجزأ من حياتنا، وأننا سننعم بالحرية والأمان والرخاء وحكم القانون، ونضع الماضي الأليم خلفنا.
لكن أحلامنا ضاعت عندما بدأ متشدقون بالدين ينفذون أجندات غير عراقية، تهدف إلى إضعاف العراق وإثارة الفتن الطائفية والعرقية والمناطقية فيه. وبدلا من تبني الديمقراطية، صاروا يروجون للطائفية، وبدلا من العمل لإقامة دولة القانون، صاروا يحملون السلاح ويتحدون الدولة، ويسرقون أموالها ويستولون على عقاراتها. ثم تمادوا أكثر عندما أخذوا يغيِّبون أصحاب الرأي الآخر وأهل الكفاءة والخبرة، ويمارسون الخطف والقتل والتهجير ضد كل من يعترض عليهم أو يخالفهم الرأي.
لكن أحرار العراق لم يسكتوا على ضياع أحلامهم، والتجاوز على حقوقهم، بل رفضوا هذا الوضع المزري، واحتجوا سلميا في ساحات المدن العراقية كافة، من ساحة التحرير إلى ساحة البحرية، مرورا بالخلاني وثورة العشرين والحبوبي، مطالبين بوطن ينصفهم ويحتضنهم أحرارا، ويعيشون فيه بحرية وكرامة.
فماذا كان رد المتشدقين بالدين والمذهب، ممن أمسكوا بزمام الأمور بوطرق غير مشروعة؟ تلثموا ونزلوا إلى الساحات ببنادقهم، وأخذوا يقتلون الشبان المحتجين دون وازع ديني أو أخلاقي. وعلى مدى ستة أشهر قتلوا ما يقارب الألف شاب وشابة وخطفوا المئات وجرحوا الآلاف، على مرأى ومسمع من العالم أجمع. لكن أبناء الشعب العراقي المنصفين، ومعهم أحرار العالم، وقفوا مع انتفاضة تشرين المباركة، ومع قادتها الشبان الأبطال، الذين بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الحرية والحقوق. فلم ترهبهم بنادق الغدر والخيانة، ولم يوقفهم رصاص الملثمين الجبناء، الذين لم يستحوا من الاعتداء على النساء المسالمات وقتلهن في الساحات.
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لن ننسى شهداء تشرين، شهداء الحرية والكرامة والديمقراطية، ولن ننسى قتلتهم وخاطفيهم ومغتصبي حقوق الشعب وسارقي الوطن. سوف نلاحقهم ونقتص منهم، وفق القانون، فهذا ما يميزنا عن المتشدقين بالدين، والدين وكل القيم النبيلة منهم براء. نحن نريد دولة عصرية يسود فيها القانون الذي يسنُّه الشعب عبر ممثليه الشرعيين، وليس دولة يسود فيه السلاح والنهب والدجل والخداع والتخلف. نريد دولة تتطلع إلى المستقبل، ولا تتجمد في الماضي وتتمسك بقيمه البالية التي تجاوزها الزمن.
في عالم اليوم، لا يمكن أيَّ دولة أن تتقدم، أو تنسجم مع المجتمع الدولي، أو تتفاعل معه، إن لم تراعِ حقوقَ الإنسان، وتلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتطبق القانون الدولي الإنساني.
قد يقول قائل إن هناك دولا في العالم مازالت تنتهك حقوق الإنسان، رغم ادعائها الالتزام بها. نعم، لكننا لا نريد لدولتنا أن تفعل ذلك، ولا نعتبر المخالفين والمتجاوزين على الحقوق قدوة لنا، بل نصر على أن تلتزم دولتنا بمواثيق حقوق الإنسان العالمية، وأن تساوي بين مواطنيها وفق القانون. هذا هو خيارنا وسوف نبقى نطالب باحترام الإنسان وحقه في الحرية والكرامة والمساواة والعيش الكريم، ونحاسب من ينتهك حقوق الإنسان ويخرج على القانون.
تحية لكم جميعا أصدقائي العراقيين الأحرار في هذا اليوم العظيم، ولنبقَ متفائلين بمستقبل أفضل وأجمل، عاملين من أجل ترسيخ قيم المواطنة والحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
إنني مطمئن أن آمالنا وأحلامنا سوف تتحقق، مازلنا نعمل بجد ومثابرة من أجل تحقيقها، ومازلنا نتمسك بالقيم العصرية والحقوق التي منحنا إياها الدستور العراقي والقوانين والمواثيق الدولية. إن قيم الحرية والعدالة والديمقراطية سوف تسود، والمستقبل للأحرار المتمسكين بالديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم العصرية. أما الماضويون والمخادعون والدجالون والجهلة المتعصبون فإلى زوال.