لم تخرج الجموع إلى شوارع بغداد والموصل والبصرة والرمادي وتكريت، هادرة بالهتافات بحياة الحكومة ورئيسها ورافعة الأعلام واللافتات المؤيدة. بل لم يصفق حتى شخص واحد لقرار الحكومة بإلغاء اعتبار التاسع من نيسان (اليوم) عطلة رسمية بعد ثماني سنوات من الاحتفال به وتمجيد وقائعه رسمياً وشعبياً.
القرار الحكومي أخرق بامتياز، فهو لا يستند الى منطق ولا الى حكمة ولا الى وطنية. المتداول ان الحكومة اتخذت القرار إرضاء للسُنّة! من قال ان السُنّة جميعهم وعن بكرة أبيهم كانوا مع صدام وضد إسقاط نظامه من قبل القوات الأميركية والحليفة؟ من ذا الذي أجرى إحصاء علمياً دقيقاً أظهرت نتائجه ان الأغلبية الساحقة من العراقيين، أو من السُنّة في الأقل، ضد اعتبار هذا اليوم عطلة رسمية، فنزلت الحكومة عند رأي الشعب؟
التاسع من نيسان يوم وطني مجيد، سواء اعترفت بذلك الحكومة أم أنكرته بدوافع وأسباب انتهازية من أجل البقاء في كرسي السلطة. هو يوم ترقبته ملايين العراقيين على مدى عشرات السنين وعشرات الحروب والمذابح والويلات والحصارات.. هو يوم وطني مجيد لأنه شهد سقوط أشنع دكتاتورية في تاريخ العراق وأكثر الأنظمة عدوانية في تاريخ المنطقة، وانفتح فيه الأفق نحو استعادة العراقيين حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم بقيام نظام ديمقراطي في البلاد. وقد احتفل العراقيون بهزيمة الدكتاتور حتى قبل تحقيقها بالكامل، فالجيش المليوني الذي أعدّه صدام لحماية نظامه لم يقاتل القوات الأميركية والحليفة، والمدنيون العراقيون لم ينظموا مقاومة سرية لـ “المحتلين” .. “المقاومون” جاؤوا من الخارج عبر أراضي الجيران وبمساعدتهم وبتحريضهم، كلٌّ لأسبابه الخاصة التي كلفت العراقيين أنهاراً من الدم والدموع لم تزل تتدفق حتى اليوم.
القرار الحكومي يمثل إعادة اعتبار لدكتاتورية صدام البغيضة واستهانة بتضحيات مئات الآلاف من العراقيين الذين طالهم قمع نظام صدام على مدى ربع قرن، وبتضحيات مئات الآلاف الذين طالهم إرهاب القاعدة وفلول صدام وسواهم منذ 2003.
لا يعيب العراقيين أن نظام صدام أسقطه الأميركيون وحلفاؤهم، فهؤلاء لم يأتوا بدعوة من العراقيين وإنما من صدام نفسه.. هو الذي ألقى ببلادنا في أتون حروب متصلة، وهو الذي، بعدوانيته ورعونته وتهوره ومطامعه البونابرتية، استجلب القوات الأميركية والحليفة الى بلادنا والمنطقة مرتين. وهذه القوات لم تتسبب في خراب البلاد على النحو الذي تسبب به صدام في حروبه تلك، وعلى النحو الذي تسببت به “القاعدة” وفلول صدام خلال السنوات التسع الماضية.
أوروبا سقطت اثناء الحرب العالمية الثانية بين براثن الوحش النازي – الفاشي، ولم ينقذها من هتلر وموسوليني غير القوات السوفييتية والأميركية. لا أحد من الأوروبيين رأى في الماضي أو يرى الآن ان ما فعله السوفييت والأميركيون لهم كان عاراً عليهم. والآن فإن أوروبا كلها تحتفل كل عام بأيام الانتصارات السوفييتية والأميركية على قوات النازية والفاشية، وبخاصة يوم التاسع من أيار الذي أعلن فيه رسمياً سقوط نظام هتلر.
إذا كان ما حدث في 9 نيسان 2003 “كخة ” ويعيب من هم في السلطة الآن فليتركوا هذه السلطة باعتبارها من النتائج المباشرة لما حدث في ذلك اليوم العظيم.