من الواضح أن حكومة المالكي الثانية أضعف من سابقتها بكثير، والسبب أنها ولدت ناقصة وعليلة وفي ظروف وأجواء استثنائية وغير ديمقراطية، وقد أخطأ رئيس البرلمان بالموافقة على التصويت على حكومة غير مكتملة فهذه مخالفة دستورية في رأيي وليُسأل فيها الخبراء الدستوريون المستقلون. الدستور ينص على أن يأتي مرشح رئاسة الوزراء إلى البرلمان بتشكيلة حكومية مكتملة خلال ثلاثين يوما ولو كان المعنى المقصود غير ذلك لما حُددت فترة تشكيل الحكومة بأيام معدودة. عدم اكتمال الحكومة يدل على أنها لا تتمتع بتأييد الأغلبية البرلمانية وهذا يؤدي إلى سقوطها حسب الأعراف الديمقراطية، وطالما سقطت حكومات بفارق صوت واحد في البلدان الديمقراطية كما حصل لحكومة سعد الحريري مؤخرا في لبنان. في كل الأحوال فإن حالة الضعف هذه من شأنها أن تحد من قدرة الحكومة على العمل وهذا سينعكس بدوره على البلد ككل.
لا يُلام السيد المالكي وحده على هذا الخلل الذي يشترك معه به رئيس البرلمان أيضا. التوسع غير المبرر في الوزارات الذي يهدف بالدرجة الأساس لإرضاء الأشخاص على حساب الدولة والمال العام، هو سبب آخر لضعف الحكومة لأنه أضعف ثقة الشعب بها وحدّ من قدرتها على الحركة. المعروف أن الهيئات والمجالس الكبيرة غير قادرة على اتخاذ قرارات عاجلة وحاسمة بينما الحكومة، أي حكومة، بحاجة لأن تتخذ قرارات يومية لمعالجة الأوضاع في بلد يعاني من مشاكل كثيرة تتطلب حلولا عاجلة. لذلك فإن اتساع الحكومة بالطريقة التي رأيناها قد تسبّبَ في ضعفها لأن كل وزير من الوزراء الاثنين وأربعين، أو نائب رئيس وزراء من النواب الثلاثة، يجب أن يبدي رأيا في كل مسألة معروضة على الحكومة، وإن لم يكن رأيه مسموعا فإنه سوف يعارض من الداخل. من أسباب الضعف الأخرى للحكومة هو عدم الانسجام بين المكونات السياسية المشكِّلة لها رغم الاتفاق الظاهري على العمل معا في حكومة واحدة، وكذلك الشعور بالإحباط لدى جهات كثيرة، شعبية ومهنية وسياسية ودينية، بأن الديمقراطية قد انحرفت عن مسارها بعد أن تمسك المالكي بالسلطة ثمانية أشهر حتى رضخ الجميع لإرادته في البقاء في السلطة ووافقوا على الانضمام إلى حكومة برئاسته. لكن هذا الرضوخ أو القبول هو مرحلي ولن يدوم طويلا لأنه لم يأتِ عبر قناعة بل عبر ضغوط مارستها أطراف دولية ومحلية عدة على قادة الكتل السياسية العراقية للمشاركة في حكومة المالكي الثانية، هذه المشاركة جردت البلد من وجود معارضة برلمانية تراقب الحكومة وتقوِّم عملها باعتبار أن الجميع مشارك في الحكومة. وضع العراق سيبقى قلقا وشركاء المالكي الحاليون، من كل الأطراف، هم في الحقيقة منافسون ومعارضون من الداخل.
الاستياء الشعبي من الأداء الحكومي المتدني يزداد يوما بعد يوم وحِيَل الحكومة في تجنبه تتناقص يوما بعد آخر. هناك حاجة ماسة لتغيير جذري في النظام السياسي الحالي كي تكون هناك معالجة حقيقية للأوضاع في العراق. قانون الأحزاب المقبل يجب أن يمنع تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو مذهبية أو مناطقية أو عرقية كي يدفع الجميع للاصطفاف اصطفافا سياسيا وطنيا ويتبنى برنامجا سياسيا ويمنع المتاجرة بالدين والمذهب ومشاعر الناس لأسباب سياسية كما حصل سابقا. الدستور بحاجة إلى تعديل كي يستوعب كل العراقيين ويجب أن تُعدَّل كل المواد والتعابير التي تشير إلى طائفية أو مناطقية. يجب أن يكون الدستور جامعا لا مفرقا للمواطنين وهذا يتطلب أن يتضمن ما يتفق عليه الجميع، فه دستور لكل العراقيين وليس للأغلبية كما يريد البعض. يمكن للأغلبية السياسية أن تشكل الحكومة لكن الدستور يجب أن يكون للجميع ومن هنا تأتي ضرورة أن يخلو من أي مادة تشير إلى فئة مجتمعية معينة بل يكون للمواطنين جميعا.
العراقيون بحاجة إلى عراق ديمقراطي قوي، والحكومة الحالية لا تعكس لا الديمقراطية ولا القوة. هناك حاجة ماسة للتغيير، لكن السؤال الذي يبحث العراقيون له عن إجابة هو كيف سيكون هذا التغيير ومن سيقوم به؟ هل السياسيون الحاليون قادرون على تحقيقه أم أن الاحتجاجت الشعبية سوف تأتي بشيء مختلف؟