بفضلهم أصبح حزب النور السلفي المتشدد، الذي كان حليفهم في انتخابات يونيو عام 2012، (يقود) جهود المصالحة الوطنية في مصر، وهو الذي كان أبعد ما يكون عن الوسطية والتوسط. وبفضلهم رحب المصريون ومعظم دول العالم بتدخل الجيش لإسقاط رئيسهم (المنتخب) وإعادة السلطة إلى العقلاء. وبفضلهم هبت الدول العربية لنجدة الاقتصاد المصري الذي تدنى إلى الحضيض إبان فترة حكمهم، فقدمت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت ما مجموعه 12 مليار دولار على شكل هبات وقروض ميسرة ومشتقات نفطية.
وبعد زوال حكمهم ارتفعت مؤشرات البورصة لتبشر بعودة النمو الاقتصادي مع تنامي ثقة المستثمرين بالاستقرار في البلاد. بل حتى إيران التي عادة ما تؤيد الجماعات الأصولية رحبت بالتغيير في مصر، حسب ما عبر عنه وزير خارجيتها علي صالحي.
لقد نُسب إلى الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم قوله: “لقد تمكن مرسي من أن يفعل في عام واحد ما عجز عنه عبد الناصر والسادات ومبارك مجتمعين في ستين عاماً، ألا وهو إسقاط الإخوان”… وسواء صح هذا النقل أم لا، إلا أنه يعكس الحقيقة. فقد كان العداء الذي ولده حكم الإخوان لهم بين المصريين والعالم خلال فترة قصيرة هو “إنجازهم” الوحيد.
حتى أن بعض أعضاء الجماعة والمتعاطفين معهم أدركوا حجم هذا العداء الذي يكنه الشعب المصري لهم، فأخذوا يلومون الرئيس المعزول محمد مرسي، وليس جماعة الأخوان، على اتساعه، ويعتبرونه السبب في هذه الكارثة التي حلت بهم. ففي مقال نشر في صحيفة “المصري اليوم” مؤخراً للصحفي في قناة الجزيرة، أحمد منصور، المعروف بتعاطفه مع الأخوان، وضع اللوم كله على الرئيس المعزول محمد مرسي الذي لم يكن مهيئاً للرئاسة في رأيه. لكن الشيء المهم هنا أن منصور اعترف أن هناك “طوفاناً من العداء” موجهاً ضد الإخوان بين الشعب المصري حالياً.
وعلى رغم أن مرسي شخصياً يتحمل قدراً كبيراً من اللوم على ما جرى، بسبب عدم كفاءته في إدارة الدولة، إلا أنه كان منفذاً لتعليمات وتوجيهات قيادات الإخوان وفي مقدمتهم المرشد محمد بديع الذي بدا في فيديو أخير منشور في موقع “يوتيوب” يوجه مرسي ويلقنه حتى كيف يلقي خطاباته. لذلك فإن اللوم يقع على الجماعة كلها وما تنتهجه من سياسات، وليس على شخص واحد.
هناك درس بليغ يجب أن يتعلمه الجميع من ثورة 30 يونيو في مصر، وأقول ثورة لأن ثلاثين مليون مصري على الأقل شاركوا فيها، بينما كان دور الجيش فيها مساعداً. هذا الدرس يتلخص بالسعي الحثيث الآن لفصل الدين عن الدولة، حفاظاً على الدين والدولة. لذلك فإن من الضروري جداً أن يُشرع قانون يمنع تأسيس الأحزاب أو صياغة السياسات أو صنع القرارات على أساس ديني أو عرقي كي لا تتكرر أزمة حكم الإخوان مرة أخرى.
الأمريكيون هم الوحيدون الذين مازالوا يطالبون بمشاركة الأخوان في حكم مصر، وفي ما عداهم فإن معظم دول العالم فرح بزوال حكمهم. لا أحد ينكر على الأخوان حقهم كمصريين أن يمارسوا السياسة، فهذا حق تكفله لهم كل القوانين والشرائع، ولكنهم، كباقي المصريين، يجب أن يمارسوا هذا الحق وفق ضوابط تضمن عدم التمييز بين المواطنين على أساس ديني أو عرقي أو مناطقي، وتمنع الأفكار التي تثير الكراهية والعنف والتمييز كما يحصل في كل دول العالم. مثل هذا القانون سوف يرسي دعائم الاستقرار ويؤسس لدولة مدنية يعيش في ظلها الجميع كمواطنين ملتزمين بالقوانين التي يسنها ممثلوهم في البرلمان وتنفذها حكومة منتخبة دوريا.
ثورة 30 يونيو في مصر لم تكن أبداً ضد الدين، بل ضد مستغليه بعد أن اتضح استغلال الدين أمام أعين الجميع وخلّف ما خلّف من كوارث. إنها ثورة من أجل أن يعود الدين إلى موقعه الروحي السامي في المجتمع وأن يبتعد السياسيون عن استغلاله واللعب على مشاعر الناس من أجل تحقيق مصالح حزبية أو شخصية ضيقة. الدين قوة روحية موجودة داخل الفرد تقوّم سلوكه وتساعده على العيش في سلام وتصالح مع الذات والمجتمع، وهذه القوة تتفاوت في درجتها وتأثيرها من شخص لآخر، لذلك يجب أن تبقى خارج هيمنة الدولة والحكومة فلا يتحكم بها سوى الفرد نفسه.