نظامنا الانتخابي الحالي، سانت ليغو المعدل، غير ملائم للعراق. هذا النظام الذي يفهم آلياته قلة من الناس قد سمح لـ ٩٠٤٠ مرشحا أن يرشحوا أنفسهم للانتخابات والتنافس على ٣٢٨ مقعدا، أي بواقع ٢٨ مرشحا لكل مقعد نيابي… ولولا قانون المساءلة والعدالة والضوابط التي وضعتها مفوضية الانتخابات لتضاعَفَ هذا الرقم ربما عشر مرات. هذا العدد الهائل من المرشحين ليس فقط كبيرا وإنما معيب ومستهلِك للأموال والطاقات. معظم المرشحين يعرفون مقدما أنهم لن يفوزوا لكنهم مع ذلك رشحوا أنفسهم لأن النظام الانتخابي يسمح لكل كيان سياسي أن يرشح ضعف عدد المقاعد المحددة لكل محافظة.
منذ عدة أسابيع وشوارع العراق وأعمدة الكهرباء والأشجار والأرصفة وواجهات المحال التجارية والمؤسسات وأسيجة المباني وكل حيز هوائي مرئي في مدننا وقرانا امتلأت بالملصقات والصور، الكبيرة منها والصغيرة، والشعارات، المعبرة منها أو تلك التي تحمل عبارات مفككة تدل على هشاشة أصحابها.
شاشات التلفزيون امتلأت هي الأخرى بالإعلانات الانتخابية، سواء المعدة بإتقان أو تلك العفوية التي يطلقها المرشحون دون إعداد مسبق، وبعضهم يظهر على الشاشة ولا يعرف ماذا يقول بل يحاول أثناء مواجهته للكاميرا أن يجد جملا مفيدة يقولها للمشاهدين ولكن دون جدوى. ولا أكتمكم سرا أنني استمتعت كثيرا خلال الحملة الانتخابية الأخيرة وأصبحت أتابع الإعلانات الانتخابية عن كثب لأنني وجدت فيها نوعا من الترفيه وشر البلية ما يمتع!
عشت في عدة بلدان ديمقراطية حقيقية، في أوروبا وأمريكا، لأكثر من ثلاثة عقود وشهدت وراقبت وتابعت عشرات الانتخابات عبر وسائل الإعلام منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن فلم أرَ كالانتخابات العراقية غرابة، سواء في عدد المرشحين وصخب الحملة الانتخابية وتعدد أسلحتها وكثرة الصور والملصقات فيها أو في غياب البرامج الانتخابية الحقيقية.
في البلدان الأخرى تعُد البرامج الانتخابية لجانٌ متخصصة في الاقتصاد والقانون وتضع خططا وبرامج عملية ممكنة التمويل وقابلة للتنفيذ وليس فيها تناقضات. في العراق ليس هناك برامج انتخابية عملية ودقيقة تضم معلومات مفصلة عن التضخم والميزان التجاري والانتاج والقوى العاملة الماهرة وغير الماهرة والصادرات والواردات والسياسة المالية والسياسة النقدية وعدد الوحدات السكنية والمدارس والمستشفيات والطرق والجسور والمرافق العامة المطلوبة مقارنة بتلك التي يمكن الأحزاب المتنافسة تنفيذها خلال فترة الدورة البرلمانية.
كل ما نسمعه هو كلام عام. “سنقضي على الفساد وإهدار المال العام. سنحقق الأمن. سنحرر إرادة العراق من تدخل الدول الأخرى. سنبني البلد ونحقق الرفاهية. سوف ننصف الفقراء وشريحة الشباب. سوف نرفع من شأن المرأة ومستواها المعاشي والثقافي. سنمنع انتهاكات حقوق الإنسان وهكذا”.
العراق بحاجة إلى نظام انتخابي يعكس تنوع الشعب العراقي القومي والديني والسياسي والثقافي، نظام لا تضيع فيه أصوات الناخبين وإن كانت قليلة، نظام يتمكن فيه العراقي في الجنوب من التصويت لمرشح في الوسط أو الشمال أو العكس. ونظام لا يتنافس فيه على مقاعد البرلمان مرشحون يفوق عددهم عدد مقاعد البرلمان بـ ٢٨ ضعفا كما يحصل الآن. يجب ألا يتنافس على المقعد الواحد أكثر من خمسة مرشحين كحد أقصى.
التبديد والتبذير الذي يحصل حاليا في الانتخابات العراقية غير مبرر وهو في الحقيقة يضعف الجبهة الداخلية لأن الأحزاب ستكون دائما ضعيفة أمام مموليها لأنها ستحتاج إلى أموال طائلة كي تبقى قادرة على التنافس.
النظام الانتخابي الذي يلائم العراق هو نظام التمثيل النسبي الذي يجعل العراق دائرة انتخابية واحدة، وهو النظام الذي جرت بموجبه الانتخابات الأولى عام ٢٠٠٥. مثل هذا النظام يعزز الوحدة الوطنية لأن المرشحين يتوقعون أصواتا من كل مناطق وقوميات وأديان العراق، وبذلك تتقلص المناطقية والطائفية والانحياز القومي. هذا النظام ينصف الأحزاب الصغيرة ولا يضر بالأحزاب الكبيرة كثيرا لأنه يجعل قوة الكتلة البرلمانية تعادل قوتها الانتخابية الحقيقية، بينما النظام الحالي يفضل الكتل الكبيرة ويعطيها أصوات الكتل الصغيرة دون وجه حق.