حكوماتنا المنتخبة الثلاث، ابتداءً من حكومة إبراهيم الجعفري عام ٢٠٠٥ وحتى حكومة المالكي الثانية عام ٢٠١٠، شُكِّلت ناقصة، في مخالفة دستورية ومنطقية واضحة. والعقبة الكأداء هي دائما الوزارات الأمنية (الداخلية والدفاع والأمن) التي يطول الجدل حولها في العادة بسبب انعدام الثقة بين الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية. لقد انتهت ولاية الحكومة الماضية دون أن تُشغَل وزارتا الداخلية والدفاع بسبب هذا الخلاف العميق الذي فشلت كل المفاوضات والحوارات في حله.
في العام ٢٠٠٦، أقر البرلمان حكومة السيد نوري المالكي الأولى رغم عدم تسميته لوزيري الداخلية والدفاع اللذين سُمّيا لاحقا وهما عبد القادر العبيدي وجواد البولاني.
وفي عام ٢٠١٠، شُكِّلت الحكومة دون تسمية الوزيرين نفسيهما وكَثُر الجدال حول أسماء المرشحين إذ رُشحت عشرات الأسماء لكلا المنصبين ولكن دون جدوى.
الحكومة الناقصة مخالفة دستورية واضحة. فالنص الدستوري يقول إن الرئيس يكلف رئيس الكتلة الأكثر عددا بتشكيل الحكومة (المادة ٧٦ أولا) وعلى الأخير أن يقدم قائمة بأسماء الوزراء خلال ثلاثين يوما (المادة ٧٦ ثانيا) فإن لم يستطع فإن على رئيس الجمهورية أن يكلف مرشحا جديدا لرئاسة الوزراء خلال ١٥ يوما (المادة ٧٦ ثالثا) ثم يعرض رئيس الوزراء المكلف أسماء أعضاء حكومته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب لنيل ثقته ويحصل ذلك عند الموافقة على الوزراء منفردين (المادة ٧٦ رابعا) وفي حالة عدم نيل الوزارة الثقة، يُكلِّف رئيسُ الجمهورية مرشحا آخر (المادة ٧٦ خامسا).
تشكيل الحكومة لا يعني أن يقدم المكلف بتشكيل الوزارة ما تيسر له من الوزراء ليكمله فيما بعد ودون أي سقف زمني، وإلا ما معنى أن يفشل المرشح في تشكيل الحكومة؟ إنه يعني أن رئيس الوزراء المكلف لم يتمكن من الاتيان بكل الوزراء الذين سيحظون بثقة البرلمان بسبب عدم تمكنه من إقناع الكتل السياسية الأخرى بلياقة كل مرشحيه للوزارة.
الذي حصل خلال الحكومات الثلاث الماضية هو أن رئيس الوزراء المكلف يحذف من قائمة وزرائه الوزارات الخلافية من أجل تمرير بقية الوزارات ثم يبقى يبحث عن وزراء مناسبين لأشهر أو ربما سنين كما حصل في الحكومة المنتهية ولايتها.
النص الدستوري يشير بوضوح إلى أن المرشح الذي لا يتمكن من تشكيل حكومة كاملة، أي تسمية كل الوزراء، عليه أن يعلن عجزه عن ذلك كي يُكلَّف المرشح الثاني بتشكيل الحكومة وهكذا حتى يتمكن أحد المرشحين من تقديم قائمة كاملة باسماء الوزراء إلى البرلمان وتحظى بثقته.
يجب ألا يمرر البرلمان المنتخب أخيرا حكومة ناقصة تحت أي ظرف لأن ذلك يعني أن تسمية الوزراء الغائبين قد تطول أربع سنوات، كما حصل في الحكومة المنصرفة، كما سيعني تناحرا سياسيا وفشلا أمنيا إن كان الوزراء الغائبون عن الحكومة هم الوزراء الأمنيون (الداخلية والدفاع والأمن) كما هي العادة، ويعني عدم إقرار الموازنة وعدم المصادقة على القوانين المهمة مثل قانون البُنى التحتية الذي فشل البرلمان قبل عامين في تمريره على رغم أن وزير المالية آنذاك، الدكتور رافع العيساوي، وهو من القائمة العراقية (المعارِضة)، كان يدعو إلى المصادقة عليه.
الحكومة الناقصة تعني تأجيل الخلافات بين الشركاء إلى وقت لاحق والتأجيل لن يحل الخلافات بل يزيدها تفاقما خصوصا مع عدم وجود موعد محدد لتسويتها.
يجب أن يتوصل الفرقاء المشاركون في الحكومة المقبلة إلى تسوية واتفاق يلتزمون به جميعا ومن يشارك في الحكومة عليه أن يدعمها ومن يبقى في المعارضة عليه أن يعارضها فيما يختلف فيه معها وليس في كل شيء. لقد تعب العراق كثيرا من التناحر السياسي والصراع على المكاسب وهناك الآن حاجة مُلِحّة إلى حكومة يكون همُّها الأول إقرارَ الأمن وتنمية الاقتصاد وتوفير الخدمات للشعب العراقي وفي مقدمتها توفير الكهرباء التي عادت تنقطع اثنتي عشرة ساعة على الأقل في اليوم في بعض المحافظات.
صحيح أن حل الخلافات يطول أحيانا، لكن تشكيل حكومة كاملة ومتفق عليها وتحظى بثقة البرلمان والشعب أصبح مطلبا جماهيريا لا يمكن التنازل عنه. إن كنا لا نستطيع أن نشكل حكومة كاملة بالاتفاق والتوافق فهناك خلل كبير في نظامنا السياسي علينا أن نصلحه بسرعة وإلا فإن مستقبلنا جميعا سيصبح في مهب الريح.