احتفى بيت المدى للثقافة والفنون أمس الجمعة في شارع المتنبي بشجرة الأرز العراقية وصاحب المشروع التنويري المفكر اللبناني هاني فحص. ويأتي هذا الاحتفاء تكريماً للراحل فحص لما قام به من تقارب بين الأديان والأفكار والذي لطالما كان يدعوا للسلام فمن الصعب ان تشهد جنازة شخص اليوم في العالم العربي يحضرها القومي والماركسي والعلماني والليبرالي والإسلامي والمسيحي والكردي، انه تأثير السيد هاني فحص على هؤلاء ومدى محبتهم لمشروعه التنويري الذي يهدف الى السلام.
مقدم الجلسة الإعلامي الإذاعي لطيف جاسم نوه في كلمة قصيرة الى ان فقدان شخصيات مثل المفكر هاني فحص يترك فراغاً كبيراً فينا ويعد خسارة عظيمة للوسط الثقافي والاجتماعي، لذا كان حقاً على مؤسسة المدى ان تتبنى تأبينه وتستحضر إنجازاته، فقد اصدر 14 كتاباً بينها خطاب القلب والهوية الثقافية وفي الوحدة والتجزئة وماض لا يمضي ومقيمون في الذاكرة وغيرها.
الدين فضاء واسع
أول المتحدثين كان الإعلامي والباحث حميد الكفائي الذي دعا الى”الاحتفاء بحياة المفكر هاني فحص وثقافته مبتعدين عن أجواء الحزن، الذي غادرنا مبكراً وكنا نطمح ان يبقى معنا لسنوات أخرى، الا ان ما تركه فينا يستحق الاستحضار والتأمل”، مبيناً أنه”قد تعرف على السيد فحص منذ 14 عاما في أول زيارة لي الى بيروت من دون سابق معرفة، وكان اللقاء في بيته، فكان الحديث معه ممتعاً ومشوقاً يدعو للإطالة والاستمرار، فهو ملم بثقافات كثيرة وعميقة عن جميع الأديان والأفكار الغربية والشرقية، ومن أسس الفضاء الديني هي ان نعيش معاً، وهذه الأسس هي فوق المقدسات، وان هذا الفضاء يتسع لنا جميعاً فيجب ان نتفق ونعيش بحرية، فبحسب النص الديني ان اتفق مع ما وضعناه من أسس فيها، وان لم يتفق فيجب ان نأوله، وان لم يكن يقبل التأويل فهو خارج التاريخ والحياة، لافتا الى ان”الأديان والأفكار كلها جاءت لخدمة الإنسان، والمقدس هو مقدس بنا، نحن الذين نصنعه فيجب ان يكون نافعاً، فان لم يكن نافعاً فلا قدسية له”.
ولادته ونشأته
وأشار الكفائي الى لمحات من سيرة المفكر هاني فحص به قائلاً:”قد عاش فحص بداية حياته في النجف ودرس في الحوزة العلمية لأكثر من عشر سنوات، ثم عاد الى لبنان وانضم الى حركة فتح، واحبه الفلسطينيون حتى عدوه فلسطينياً ومنحوه الجنسية، فأصبح يتحدث عن فلسطين وكأنه ابنها البار، ويعد فحص اول من قدم ياسر عرفات الى الخميني في ايران عام 79 وعاش في ايران لثلاث سنوات ثم عاد الى لبنان، وبرغم انه عاش في دول عديدة الا انه يعد نفسه عراقياً وكثيراً ما كان يردد ذلك وباللهجة العراقية كما نتحدث نحن، وقال: اذن دعونا نحتفي بما كسبناه من ثقافة وتنوير ولا نحزن، مبينا انه”كان يمزج كل شيء بالإنسانية والمرح، والأفكار المعقدة يضعها بلغة سلسة لتمنحنا فكراً وثقافة في مجالات الحياة.
الحداثة الغربية والاسلامية
فيما استهل الكاتب والباحث جمعة عبد مطلك حديثه بالشكر والامتنان لمؤسسة المدى لاحتفائها بالرموز الوطنية والثقافية، مشيراً الى ان”رثاءنا بالشخصية المحورية هاني فحص موازية لمشروع الحضارة العربية الإسلامي وهو يشهد ادنى الدرجات أداءً منذ القرن الرابع الهجري”.
وتابع”المرحوم فحص كان واحداً من اهم الشهود الذين وقفوا بعمق واسى على تدهور هذا المشروع، مضيفاً ان”المجال لا يتسع لذكر الوقائع والأحداث ولكن من الناحية التربوية للشخصية المحورية في الحياة العامة، هناك منهج نعرف من خلاله المفكرون الذين دخلوا خط السياسة مثل هاني فحص بالإصلاح الذي هو نقطة تقاطع بين حدثين وتأريخين، موضحاً ان”هذه النقطة يراها بعمق المثقف العضوي فيسلم لها جوارحه، ويعمل على الأدب واللاهوت ويكون متواضعاً ومتبصراً، وهذا بحد ذاته يعد تحدياً للحداثة الغربية، لأنه كل توجهاته هي في سبق حداثة اسلامية، وان فحص كان رعياً لهذه النقطة التي هي محور التقاطع بين الحداثة كمشروع غربي للعالم والحداثة العربية الإسلامية كمشروع ناقص موؤد، لافتا الى ان”هذا الوأد هو ما عمل عليه فحص، وكان يقول دائما القليل من الوقت مع الكثير من الإيمان، وان هذه النقطة هي التي تكمن فيها مأساتنا من المفخخات ونقص الكفاءات والتدبير، وكيف نتآخى ونتعاون ونتقي الثقافة الغربية.
العمامة
ومن جانبه أشار”الباحث الشيخ غيث التميمي الى انه يشترك مع السيد هاني فحص بموضوع العمامة معبراً عن رغبته للخوض في هذا المجال”، وتابع إن”العمامة هي المرحلة التي تم من خلالها نقل الإسلام من حياة الرسولية اي مرحلة الانبعاث والاشتغال الروحي الى مرحلة الكهنوت”، منوهاً الى ان”الإسلام تحول الى كهنوت رسمياً، أي إن الشخص اصبح لا يستطيع ان يتعامل من الخالق الحر، الا من خلال خالق أسير متمثل بمجموعة من العمائم”.
وزاد”اريد ان اخذ الجانب المهم في الأداء المعرفي والتنويري المهم للراحل السيد هاني فحص من خلال تمسكه بالعمامة، فالحياة المدنية هي في هامش التراث الإسلامي وهامش الدولة الاسلامية، كما تم النظر الى التحولات المهمة على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي لأن الشيعة عادة كانوا مقصرين في السلطة”، مكملاً”هم أيضاً كانوا يَقصون انفسهم من ممارسة أي دور سياسي عبر قرون طويلة، أي من بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام حتى قيام الثورة الاسلامية في ايران لا يوجد حضور شيعي واضح في السلطة”. منوها الى ان”حتى حضور الإمام الرضا مثلاً في دولة المأمون العباسي كان حضوراً هامشياً خاضع لجدليات كثيرة”.
وأوضح التميمي ان”الدولة الصفوية لم تكن تطرح الوعي والتراث الشيعي بقدر ما كانت تسوق نفسها شيعياً، وهذا كله جعل شيعة الإمامة يعانون مشكلة، اذا ما أرادوا ان يطلقوا رؤيتهم للحياة والدولة، فالسيد هاني فحص هو عمامة شيعية ولكنها كانت حاضرة وحاضنة للأوساط الثقافية والمعرفية من خلال محاولاته الحضور في تشكيلات حزبية معينة”.
ولفت الى ان”اللطيف فيها أي في هذه الأحزاب انها كانت علمانية او ليبرالية مما يطرح تساؤل اكبر عن مدى بداية الشروع خارج مفهوم الإمامة باعتبار ان جزء رهيب من التراث الشيعي يتحدث عن ان كل راية في زمن الغيبة الى ظلال، ومعناها كل حكومة او كل ثورة او كل نظام سياسي يقوم على أساس الإمامة او الشرعية الدينية والامتداد لمدرسة اهل البيت في زمن الغيبة فهو ظلالة، وهذا جزء من وعي الشيعة وهو موجود في كل كتبهم التراثية، فالفقيه يمارس دور دولة داخل دولة أي يجعل الفرد الشيعي يخضع لسلطتين سلطة الدولة وسلطة الفقيه، وهو كذلك مطالب بمنهجين تعليميين، فهذا تناقض يجعل الطفل الشيعي قد يكون في حيرة بين ثقافتين دينيتين المدرسية والبيتية التي تناقضها”.
http://www.almadapaper.net/ar/news/472389/بيت-المدى-يؤبن-رائدالتسامح-والمحبةفي-الع