أرحب بكم أجمل ترحيب وأشكركم جميعا على تلبية الدعوة بالحضور والمشاركة في مناقشة مسودة الدستور. الدستور يهمنا جميعا من كل القوميات والأديان والاتجاهات السياسية، يهم العلماني مثلما يهم الاسلامي، يهم العربي مثلما يهم الكردي والتركماني والآشوري والكلداني والكردي الفيلي والشبكي والصابئي، يهم السني مثلما يهم الشيعي. لذلك أيها الأخوة نحن معنيون جميعا بهذا الدستور، حتى الآن لم نر نقاشا واسعا بين أبناء الشعب العراقي حول هذه الوثيقة التي تعتبر أهم وثيقة في البلاد حاليا ولفترة طويلة مقبلة. ومن هنا فقد تصدت حركتنا باعتبارها حركة مجتمع ديمقراطي لهذا الأمر كي تجمع أفراد العائلة العراقية بكل ألوانهم السياسية والقومية والدينية ومن كل مناطق العراق لهذا المؤتمر الذي نأمل أن يساهم في توعية الناس حول الدستور. لقد دعونا من نستطيع من شرائح المجتمع العراقي السياسية والدينية والقومية، ومن كل مناطق العراق المختلفة، بعضهم لبى الدعوة مشكورا بينما تجاهلها آخرون لأسباب خاصة بهم.
نحن دائما نحمل الناس على محمل حسن ونفترض أن من لم يلب الدعوة لم يتمكن من تلبيتها عمليا، وليس لديه اعتراض على من نظمها. نحن ليس لدينا حساسية من أحد بل نقف على مسافات متساوية من الآخرين من كل المذاهب والأديان والقوميات. والدليل أن بيننا اليوم من جاء من الرمادي والسليمانية وكركوك والبصرة والسماوة والكوت بالإضافة إلى أهالي بغداد والناصرية والعمارة والديوانية والحلة والموصل والنجف وكربلاء، هناك ممثلون عن مؤتمر أهل العراق، وعن عشائر العراق السنية والشيعية وعلماء الدين الشيعة والسنة، هناك سياسيون علمانيون وآخرون إسلاميون، من العرب والأكراد والتركمان، وهناك أعضاء في الجمعية الوطنية من كل الاتجاهات. نحن حركة مجتمع ويجب أن نعكس كل ما في مجتمعنا من تنوع سياسي وديني وقومي بشكل جلي للجميع. نحن لسنا ضد أحد لكننا سنقول ما نراه مناسبا وإن لم يعجب الآخرون.
هناك الكثير من النقاط في الدستور التي تحتاج إلى نقاش وهناك الكثير من الأمور المبهمة والتي قد يساء تفسيرها، هناك من يرى أن هناك تناقضا في بعض مواد الدستور، هناك من يعترض على إزالة المادة الرابعة والأربعين من الدستور التي أتُفق عليها في البداية، وهذا في رأيي لا يبشر بخير بل يدعو للقلق. معنى ذلك أن هناك من يريد أن يبخس العراقيين حقهم المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية، هذا الحق الذي يتمتع به الناس في بلدان أخرى نعتبرها أقل تحضرا أو أنها لا تمتلك التاريخ الذي نمتلكه.
الصورة: السيد أياد جمال الدين مشاركا في المؤتمر
يجب أن يكون دستورنا لنا جميعا وليس لقسم منا حتى وإن كان يشكل أغلبية. الدستور يخدم الأقلية قبل الأكثرية والفرد قبل الجماعة ويضمن الحريات الخاصة قبل العامة. الديمقراطية تعني أن الفرد محترم وأن حرية المعتقد مصانة وحرية التعبير مضمونة ولا تعني فقط إجراء الانتخابات ومجيء الأغلبية إلى السلطة كي تقسر الأقلية على ما لا ترغب. أي منا يمكن أن يكون ضمن أقلية في المجتمع إن كنا سنصنف الناس هكذا. لو أننا احترمنا خصوصيات الآخرين ثم عاملناهم كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات، لما شعر أي منا أن هناك أغلبية أو أقلية.
نحن نريد أن نبني دولة عصرية ومن سمات الدولة العصرية أنها تحمي الإنسان بغض النظر عن دينه أو معتقده أو حتى سلوكه الأخلاقي، هذه أمور شخصية ولا يمكن للدولة أن تتدخل فيها إلا بقدر ما يتعلق بالتجاوز على القانون أو حريات الآخرين، لأن الدولة تحتضن الجميع هي الأم الحنون التي ترعى المريض والعاجز والصغير والكبير وتقوِّم المسيء وتحاول أن تعيده إلى الطريق القويم، وهو طريق القانون ومصلحة المجتمع.
الصورة: الشيخ عبادي آل حسن شيخ عشيرة الشبانات والشيخ عبد الإله الفرهود شيخ عشائر بني زريج
للأسف نحن نرى أن بين سياسيينا اليوم من لا يفهم الديمقراطية بل ان هناك من لم يؤمن بالديمقراطية أصلا لكنه بدأ يتظاهر بها ربما كي ينقلب عليها في أول لحظة يتمكن فيها، ومتى ما يصل إلى السلطة يتحول إلى دكتاتور لا يستمع إلى الآخرين خلافا لمتبنياته الفكرية وإدعاته الديمقراطية التي ينادي بها ليل نهار. رأينا أن هناك من يستخدم طرقا لا تمت بصلة إلى التحضر مثل تقديم المال مقابل الحصول على التأييد!!!!!
لكننا أبناء الشعب العراقي الأبي الذي عاني الأمريين في ظل النظام السابق نقول لكل من يعتقد أن بإمكانه أن يستعبد العراقيين من جديد أو ينتقص من حقوقهم: هيهات لك ذلك…. نحن ذقنا طعم الحرية واطلعنا على النظم الديمقراطية والقوانيين الدولية وعرفنا فوائد الانفتاح على العالم وقيمة الحرية، ونحن الذين بدأت الحضارة على أرضنا هنا وقدمنا ملايين الشهداء كي نحصل على حريتنا وكرامتنا، لن نقبل بأقل مما تتمتع به شعوب الأرض الأخرى.
النائب سامي العسكري مشاركا في المؤتمر
لن نقبل بأن نُظلم من جديد تحت أي مسمى، دينيا كان أم قوميا أم مذهبيا. دعوني أذكِّرُكم بأن صدام كان أيضا يتحدث عن القيم العربية والإسلامية والاشتراكية لكنه أول من خرقها واستهان بها وداسها بأقدامه. وفي سنواته الأخيرة كان أيضا يتحدث بالدين ونحن نعلم أن صدام قتل خيرة علماء العراق وفي مقدمتهم الشهيدان الصدران، محمد باقر الصدر ومحمد محمد صادق الصدر، والشيخ عارف البصري والشيخ عبد العزيز البدري وقبضة الهدى والشهيدة بنت الهدى وغيرهم كثيرون من علماء الإسلام من كل المذاهب. وقد رأينا كيف كان صدام يستهين بالدين والمتدينين حتى من أعضاء حزبه كطاهر العاني الذي أهانه علنا لمجرد أنه يصلي وملتزم دينيا.
الصورة: السيد حسن السيد جابر والشيخ عبد الإله الفرهود
لا نريد مزايدات في مجال الدين أو القومية أو الوطنية، فقد حملنا الدين كالجمر في أحلك الظروف وسنظل نحمل قيمه في العدالة والمساواة والحرية ما حيينا، وحافظنا على على انتمائنا القومي واللغوي عندما جبنا العالم بحثا عن الحرية التي فقدناها في الوطن، وتمسكنا بالوطن ونحن بعيدون عنه وكان كل طموحنا أن نعود إليه كي نبنيه من جديد. نحن متساوون في حب الوطن ومتساوون في تمسكنا بقيمنا وأخلاقنا وقوميتنا، عربية كانت أم كردية، أم تركمانية أم آشورية، قد نختلف في التطبيقات وقد نختلف في الأساليب وقد نختلف في الرؤى وطرق معالجة الأمور، لكن ذلك من طبيعة البشر ولنا فيه منفعة كما نرى في دول العالم الأخرى.
الصورة: الشهيد حارث العبيدي مشاركا في مؤتمر الدستور
دعونا نختلف في الرأي ونتنافس على خدمة العراق والعراقيين لكننا يجب أن ننبذ التطرف الذي يقود إلى الإرهاب. لغة العنف التي لن تنفع أيا منا بل ستلحق أقصى الأذى والضرر بنا جميعا. هناك من يتوهم أنه بقتله للشيعة سوف ينتصر للسنة، وأن ظلمه للأكراد سيكون في صالح العرب وأنه باضطهاده للمتدينين سوف ينتصر للعلمانية وباضطهاده لغير المتدينين سوف ينتصر للدين، إلا أن الشيعة والسنة والعرب والأكراد والمتدينين وغير المتدينين والعلمانيين والإسلاميين من ذلك براء.
الصورة: عضو الجمعية الوطنية السيدة فيحاء زين العابدين متحدثة في المؤتمر
لن تبنى الأوطان باضطهاد الآخرين بل بضمان حقوقهم، ولن تتقدم الشعوب بتجاهلها لبعض أفرادها، بل بتعاملها مع الجميع على قدم المساواة، ولن يُخدم الإنسان بالتضييق على الحريات الخاصة، ولن يُخدم المجتمع عندما يُنتقص من حقوق المرأة. المرأة نصف المجتمع كما يقال وفي العراق هي أكثر من ذلك، فعدد النساء يفوق الرجال وحجم معاناتهن خلال العقود المنصرمة كان مضاعفا، فقد اضطررن إلى إعالة عوائل كاملة وتربية الأطفال بعد أن غيّب النظام السابق آباؤهم بالقتل والحروب والسجون والتهجير. لن تتعزز الهوية الوطنية العراقية إلا من خلال التعامل مع أبناء العراق على قدم المساواة بغض النظر عن الخصوصيات الأخرى.
ومن هنا أيها الأخوة فنحن نريد دستورا يضمن حقوق الأفراد والأقليات والنساء والعمال والأطفال مثلما يحفظ حقوق المجتمع بأكمله، ويحفظ الحقوق القومية والدينية للأقليات بنفس القدر الذي يحفظ به حقوق الأغلبية، فالوطن للجميع وما نريده هو تعزيز قيم المواطنة وحقوق الإنسان التي نصت عليها القوانين والمواثيق الدولية ودعت إليها كل الأديان السماوية. لا سبيل إلى الاستقرار في العراق إلا من خلال ضمان حقوق الجميع وهذا ما نريد من دستورنا الجديد أن يحققه.
الصورة: الأستاذ حميد مجيد موسى مشاركا في المؤتمر
أيها الأخوة الأعزاء
هذا هو مؤتمركم وأنت أحرار في ما تناقشون وما تطرحون ونحن في حركة المجتمع الديمقراطي سوف ندير المؤتمر ونسهل أعماله فلنبدأ هذه المناقشات التي نحن بأمس الحاجة إليها والتي ينتظرها أبناء العراق في كل مكان لأن ما سيقال هنا سوف ينقل إلى أبناء العراق في كل المناطق عبر المشاركين الذين بينهم صحفيون وإذاعيون وإعلاميو تلفزيون وكتاب ورؤساء نقابات وممثلو أحزاب وحركات وجاليات ومنظمات مجتمع مدني ورجال دين وشيوخ قبائل ووجهاء ومواطنون مستقلون من كل مناطق العراق.
مرة أخرى أهلا وسهلا بكم وأشكركم من الأعماق على تلبية دعوتنا للحضور والمشاركة.
الصورة: سماحة السيد فاخر حميد الياسري ممثل الحوزة العلمية مشاركا في المؤتمر