لم أتعرف على الشهيد المرحوم سعد العلاق إلا مؤخرا عندما زارني في مكتبي قبل استشهاده بثلاثة أشهر تقريبا. كنت أراه صدفة في المبنى الذي أعمل به فقد كان يعمل في مكتب الدكتور موفق الربيعي غير البعيد من مكتبي، إلا أنني لم أكن قد تعرفت عليه شخصيا.
دخل علي ذات يوم دون سابق موعد أو معرفة وسلم سلاما حارا وكأنه يعرفني جيدا، وقدم نفسه تقديما متواضعا، فقد كان التواضع أهم صفاته، فدعوته للجلوس. ابتدأ كلامه بالثناء على مواقفي والدعوة إلى التنسيق والتضامن من أجل بناء العراق المنصف لكل أبنائه دون تمييز وضد أعداء العراق الجديد الذين يريدون أن “يعديونا إلى عهد الظلم والاستبداد”.
بعد ذلك قال إنه ينقل إلي تحيات السيد إياد الزاملي رئيس تحرير كتابات، وطلبه بإجراء مقابلة معي لموقع كتابات. وأقولها بصراحة، فقد عبرت عن ترددي في بادئ الأمر، لأسباب كثيرة كان أولها عدم توفر الوقت بسبب كثرة المشاغل. لكن الشهيد أصر حتى أفصحت له عن سبب آخر لترددي وهو أنني أتذكر أن كتابات في الأيام الأولى لتأسيسها سمحت لأشخاص مجهولين كتبوا بأسماء مستعارة بمهاجمة أشخاص محترمين منهم الصديق الشاعر عبد الحميد الصائح، والافتراء عليهم، وما كان عليها أن تفعل ذلك.
رد الشهيد سعد أن ذلك صحيح لكنه كان في البداية، أما الآن فقد تغير الأمر كثيرا ولم تعد كتابات تسمح إلا بالكتابات الرصينة الموثوقة وأخذت تدقق في ما ينشر على صفحاتها ولا تنشر إلا المناسب من المقالات والآراء. وعند تصفحي للموقع اقتنعت بما قاله الشهيد سعد. كان الصدق والوجاهة والهيبة تملأ وجهه الشريف مما جعلني استجيب لطلبه بإجراء المقابلة والإجابة على أسئلة قراء كتابات التي لم تكن سهلة بل اضطررت للتفرغ لها لأمسيتين كاملتين على الأقل لأنها كانت كثيرة ومتشعبة.
بعد إجراء المقابلة، أخذ المرحوم يتردد على مكتبي كثيرا، وكنت عندما يغيب عني عدة أيام أذهب لمكتب الدكتور الربيعي لأسأل عنه. كانت أخلاقه في غاية السمو بينما كان في غاية التواضع، فلا أزال أتذكر أنه كان يذيل رسائله لي بتوقيع: “أخوك الأصغر سعد العلاق”، رغم أنه ربما يكبرني سنا. ولا أزال احتفظ ببعض هذه الرسائل اعتزازا مني بذكراه العطرة.
لقد كان المرحوم كريما بأخلاقه ووفيا بوعوده، وقد تميز بالوعي العميق بمجريات الأمور وقد جاءني مرات عديدة شاكيا من الاجحاف الذي لحق بالمفصولين والسجناء السياسيين وضحايا النظام السابق الذين قال إنهم أُهملوا إهمالا شديدا من قبل النظام الجديد، وطلب مني نقل هذه الأفكار إلى الجهات العليا.
ورغم تمسكه الواضح بالمبادئ، فقد كان واقعيا في الوقت نفسه، يعمل بالممكن دون التخلي عن الأهداف العليا، ولم ينتظر أن يكلف بمسؤولية حتى يقوم بها بل كان متطوعا للعمل الصالح، والكثير من الأعمال الإعلامية التي قام بها كانت تطوعية لم يتقاض مقابلها أي شيء.
ولا أدري كم كان يتقاضى لقاء عمله كإعلامي في مكتب الأمن الوطني، إلا أنني متأكد من أن مرتبه لم يكن كافيا أو مناسبا للخدمات التي كان يقدمها. كان مصمما على خدمة المظلومين من أبناء شعبه ويمضي جل وقته في هذا المجال واعتقد جازما أن هدفه الأول في الحياة كان القضاء على الظلم في العراق وإنصاف من وقعت عليهم آثاره من كل الطوائف العراقية دون تمييز.
قتل السيد سعد عبد الزهراء شلش العلاق في بيته وفي رمضان وكان يؤدي عمله المقدس. لابد أن الذين قتلوه يعرفون قدره وأهميته لذلك خططوا لقتله كي يغيبوه عن هذه الدنيا، وتصوروا أنهم بذلك قد إزالوا هذه العقبة عن طريقهم. لكنهم أخطأوا كعادتهم، فاستشهاد سعد العلاق لن يعمل إلا على زيادة عزيمة الآخرين من أحبائه وأصدقائه ورفاق دربه على المضي قدما في طريق الحرية والعدالة والديمقراطية، وهي القيم التي عاش من أجلها سعد العلاق واستشهد.
أملي أن يقبض على قاتليه ليسألوا لماذا أقدموا على هذه الجريمة الكبرى، بقتل شخص وحيد لأهله متدين ملتزم يعيل عائلتين ولم يؤذ أحدا في حياته. غيبوك يا سعد عنا وحرمونا من أخلاقك العالية وشخصيتك المحببة، لقد خسرك الطيبون والوطنيون والنجباء، كما خسرك الإعلام العراقي الواعد الذي كنت ستساهم به مساهمة قيمة لولا ظلم الظالمين. رحم الله الشهيد سعد العلاق يوم ولد ويوم جاهد ضد الظلم ويوم استشهد صائما ويوم يبعث حيا، واللعنة الدائمة على من قتله ومن ساعد في قتله ومن عرف ولم يعترض على هذه الجريمة النكراء.
حميد الكفائي