مجلة الهدى-كانون الثاني 2015
دائماً نسمع أو نقرأ الجملة “في كل بلدان العالم” يحدث كذا وكذا إلا في بلدنا فيحدث كذا وكذا. وبالتأكيد فإن هؤلاء الذين يتحدثون بهذه اللغة لم يزوروا بلدان العالم كلها ولم يطلعوا على قوانين العالم وثقافاته المختلفة لكنهم مع ذلك يجرؤون على مثل هذا التصريح ويرددونه باستمرار دون أن ينتبهوا إلى خطئه الواضح.
والسؤال الذي يجب طرحه هنا هو لماذا يتصرف بعضنا هكذا؟ وإذا ما احسنا الظن، كما يجب علينا أن نفعل، فإن هؤلاء بالتأكيد لا يرغبون في أن يخدعوا مستمعيهم أو قرّاءهم بل يريدون لهم الخير ويحاولون أن يقنعوهم بأن ما يجب أن يحصل في بلدنا هو كما يحصل في بلدان العالم الأخرى التي يفترضون أنها على شاكلة واحدة. ولكن لماذا يا ترى يطلقون هذه التصريحات ويتناسون أنهم غير مطلعين على ما يدور “في كل بلدان العالم”؟
المشكلة في رأيي هي في ثقافة التعميم التي يتمسك بها أكثرنا، وإذا ما تفحصنا لغتنا المتداولة فسوف نرى الكثير من هذه العبارات في خطاباتنا وكتاباتنا والتي تميل دائما إلى التعميم واعتبار الناس كلهم مجموعة متماثلة بينما نحن افراد متميزون عن بعضنا وكل له شخصيته المستقلة.
كثيرون منا يرددون مثلا عبارة “نحن جميعا” مسؤولون عن كذا وكذا أو “علينا جميعا” أن نفعل كذا وكذا أو “لا يختلف اثنان” على أن كذا وكذا قد حصل، وعبارات مثل “أنتم تعرفون” أو “كما يعرف الجميع” أو “نحن نعلم جميعا” وما إلى ذلك من تعميمات غير دقيقة لأن الجميع لا يعرفون ونحن جميعا لا نعلم ما يقصده القائل وبالتأكيد لسنا مسؤولين عن كل شيء ولا يمكن الناس في العالم أو في بلد معين أو حتى عائلة معينة أن يتفقوا على مسألة أو رأي معين. ثقافة كثيرين منا مازالت ثقافة جمعية ولا تتقبل الفردانية فكثيرون منا يتوقعون أو يريدون من الآخرين أن يكونوا مثلهم ويفعلوا كما يفعلون أو حتى يعلموا ما يعلمونه هم ويجهلوا ما يجهلونه. “نحن جميعا” في رأي البعض وحدة متكاملة متشابهة من التصرفات والمعلومات والمشاعر والطموحات والآمال ولا اختلاف بيننا مطلقا، أو هكذا يراد لنا أن نكون.
لكن الحقيقة هي غير ذلك، فنحن أفراد مختلفون في أفكارنا وآرائنا وتصرفاتنا ورغباتنا وأمنياتنا وتطلعاتنا. نحن لا نشبه بعضنا البعض ويجب ألا نتشابه في كل شيء فإن أصبحنا متشابهين في كل شيء فسنكون بذلك قد ابتعدنا عن الصفات البشرية التي نعتز بها واقتربنا إلى صفات الكائنات الأخرى التي تتصرف بطرق متقاربة من بعضها على مر العصور والأزمان دون تطوير أو تغيير. نحن مبدعون بطبيعتنا والدليل أن صغارنا دائما يتصرفون بشكل مختلف ويسألون أسئلة غريبة الا انها ذكية في الوقت نفسه، لكنهم يتغيرون عند الكبر بسبب تلقين الكبار لهم فيقلدون الآخرين بدلا من أن يواصلوا فردانيتهم ويبنوا شخصياتهم المستقلة. كثيرون منا يدجِّنون أنفسنهم بمرور الزمن على التصرف الجمعي المتشابه وفي النهاية نصبح (جميعا) نسخة واحدة من بعضنا البعض وهذا بالتأكيد ليس في مصلحتنا لأننا حينئذ نقتل الإبداع والتميز.
هناك عادات جميلة في مجتمعاتنا وربما من المفيد الاستمرار في ممارستها ولكن هناك عادات مكلفة ومتعبة لنا ومن حق بعضنا أن يتخلوا عنها إن رغبوا في ذلك. على سبيل المثال لا الحصر، في الكثير من مدن وقرى الجنوب، من الواجب على كل شخص أن يحيي الحاضرين واحدا واحدا في مجالس العزاء او الفرح حتى وإن كانوا بالمئات، وهم كذلك في أكثر الأحيان. وهذه عادة متعبة للجميع لأن القادم سيضطر للمرور على الجميع فردا فردا، والجالسون (جميعا) مضطرون لأن يقفوا لكل قادم لمصافحته والسلام عليه، فإن رغب أحدنا أن يحيي المعنيين فقط، وهم أصحاب المناسبة، ويترك الآخرين جالسين مرتاحين مستمتعين بأحاديثهم الجانبية، فإن البعض سيصمه بشتى الأوصاف مثل “التكبر” أو “الجهل بالعادات” أو الكسل وعدم الاكتراث للآخرين وما إلى ذلك.
من الضروري أن نسامح بعضنا في ما اختلفنا فيه من عادات وأفكار وآراء وتصرفات وإلا فسنكون نسخة من بعضنا تماما وكم سنصبح مملين ومزعجين حينئذ! من يختار أن يكون متفردا في تصرفاته لا يعني أنه خارج على تقاليدنا وإنما هو اختار السلوك الذي يناسبه وعلينا أن نحترم خياره ما زال لم يتعدَ على أحد.