تجربة المرأة البرلمانية الحديثة في العراق جديرة بالدراسة وهي دون شك إيجابية بشكل عام لأنها ساهمت في دفع المرأة العراقية إلى مقدمة الأحداث وحفزتها على المشاركة في العملية السياسية وصناعة القرار وتشكيل الرأي العام وخوض غمار الحياة العامة.
ولكن هل كانت هذه التجربة بمستوى طموح المرأة؟ وهل حققت إنجازات وتشريعات حقيقية لصالح المرأة؟ أم أنها بقيت مشاركة شكلية غير فاعلة لم تؤثر تأثيرا واضحا على وضع المرأة في العراق ولا على مسيرة سعيها نحو اكتساب الحقوق التي حصلت عليها في المجتمعات المتقدمة، بل وحتى تلك التي حصلت عليها المرأة العراقية في عصور سابقة؟
للأسف فإن المرأة السياسية والبرلمانية بقيت، في رأيي على الأقل، مقيدة بالقيود الحزبية والسياسية والاجتماعية ولم تنطلق إلى تحقيق مكاسب جديدة للمرأة العراقية غير التي تحققت في بداية عهد التغيير. وإن كان هناك من إنجازات، فإنها تبقى دون المطلوب والسائد في البلدان الديمقراطية الأخرى.
لم نرَ مطالبة حقيقية من النساء بخفض بطالة المرأة وإخراجها من المطبخ إلى حيز العمل أو رفع التمييز عنها في الوظائف والتعامل الرسمي، ولم نرَ تشريعات جديدة لصالح مشاركة المرأة ومساواتها بالرجل أو رفع الظلم الاجتماعي عنها، بل لم نرَ احتجاجات نسوية إلا نادرا على مشاريع القوانين التي طرحت في البرلمان أو الإجراءات التي تنتقص من حقوق المرأة وخصوصياتها وتتدخل في مسائل الأحوال الشخصية.
هناك إذن حاجة حقيقية لأن تبرز حركة نسوية حقيقية تطالب بتغيير أوضاع المرأة العراقية ورفع الظلم عنها وتحقيق المزيد من المكاسب لها وتحصيل حقوق جديدة لها في مجال العمالة وكذلك في مجال تنظيم الأسرة. على سبيل المثال، المرأة مازالت تعاني من مشكلة تعدد الزوجات التي اصبحت ظاهرة في المجتمع العراقي للأسف.
لم تسعَ النساء السياسيات منهن والناشطات المدنيات إلى تبني قانون يحد من ظاهرة تعدد الزوجات الآخذة في الانتشار في المجتمع العراقي منذ التسعينيات وحتى الآن. على العكس من ذلك، رأينا ناشطات مدنيات وسياسيات وبرلمانيات كن يتصدرن المطالبة بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل يتزوجن من متزوجين! ولم يلتزمن حتى بالمبادئ والحقوق الأساسية التي كن يحملنها.
إحدى النساء السياسيات البارزات اللائي كن يتصدرن المشهد السياسي والمطالبة بحقوق المرأة تزوجت من رجل متزوج يحتل منصبا كبيرا في أول فرصة أتيحت لها وتخلت عن كل حقوقها ومبادئها السابقة. ولم تكن تلك المرأة الأولى ولا الأخيرة بل رأينا العديد من المتنفذين، من سياسيين وغيرهم، يتزوجون بثانية وثالثة بسهولة ولم يؤثر ذلك على أوضاعهم السياسية بل ظل الناخبون، وكثيرات منهم نساء، ينتخبونهم مرة بعد أخرى. مثل هذه الحالات لا تشجع النساء الأخريات على الصمود والمطالبة بالحقوق الاسياسية.
أما الكارثة التي حلت بالمرأة العراقية خلال العام المنصرم بسيطرة الجماعات الإرهابية على أجزاء كبيرة من الوطن العراقي فهي كبيرة بكل المقاييس وتدعو للقلق. كيف يمكن دول العالم الغربي القوية أن تسكت عن بيع النساء وامتهانهن واستخدامهن جواري من قبل الإرهابيين المتخلفين في الموصل والرقة دون أن تهب للانتصار لقيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب منذ مئة عام على الأقل؟
صحيح أن الإرهاب قد طاول الرجال والنساء في الوقت نفسه لكن الذل والإهانة اللذين لحقا بالنساء المسيحيات والأيزيديات يفوق كل التصورات ويدعو للقلق فعلا أن تحصل مثل هذه الأفعال الشائنة في القرن الحادي والعشرين… يبدو أن عالمنا المتمدن مازال ضعيفا معنويا وأخلاقيا رغم الإمكانات التقنية والمالية والعسكرية الهائلة التي يمتلكها.
نساء العراق بحاجة إلى تنظيم أنفسهن بعيدا عن التكتلات السياسية، وهذا لا يعني أن عليهن أن يبتعدن عن الكتل والأحزاب السياسية، بل عليهن أن ينتظمن مرتين. الأولى كنساء لديهن أجندة محددة لرفع مستوى المرأة الثقافي والمعاشي والمعنوي وزيادة الحماية القانونية التي تتمتع بها حاليا، والثانية هي الانتظام في الأحزاب السياسية التي يقتنعن بأفكارها.
في ما يتعلق بالأولى، هناك حاجة لإنشاء مراكز دراسات تدرس وضع المرأة العراقية ومشاكلها واستطلاع آراء النساء حول ما يشعرن به أو يعانين منه من مشاكل ووضع الحلول الناجعة لها. وهناك أيضا حاجة إلى تنظيم مؤتمرات وندوات وورش عمل لتثقيف المرأة بالحقوق المتاحة لها وفق القانون والدستور العراقيين وكذلك بموجب المواثيق والعهود الدولية. والهدف من ذلك هو حتى تتمكن المرأة من معرفة حجم الهوة بين الحقوق المتاحة لها وما بلغته حاليا من أجل أن تسعى النساء جميعا إلى اكتساب الحقوق والمزايا التي لم يحصلن عليها حتى الآن.
أما بخصوص الثانية فإن على النساء أن يكن مؤثرات في أحزابهن السياسية بحيث يمنعن تبني أي قانون أو فكرة أو سياسة تضر بحقوق المرأة عموما في برامج الأحزاب التي ينتمين إليها. هناك من يستخدم الدين للحد من حرية المرأة وتقليص حقوقها. لكن الدين الإسلامي واضح في منح المرأة حقوقها، فالنبي الأكرم وصف النساء بالقوارير وهذا وصف بليغ له عدة معان في آن، منها جمال وإناقة المرأة ومنها الحاجة المستمرة إلى العناية والاهتمام بها خشية أن يلحق بها صدع أو ضرر. كانت آخر وصية للنبي هي (أوصيكم بالنساء خيرا). كما سمح الفقه الإسلامي للمرأة أن تشترط أن تكون العصمة بيدها بحيث أنها تستطيع أن تطلق نفسها من زوجها إن أرادت ذلك. ومن هنا فإن الحجج التي يسوقها البعض لتبرير فرض القيود على النساء لا أساس دينيا لها.
حميد الكفائي