على هامش المحاصصة
مجلة الهدى-حزيران ٢٠١٥
المحاصصة بشكل عام ليست سيئة إن أقيمت على أسس صحيحة لأنها تعني المشاركة والتقاسم في المسؤوليات والمكاسب والثروات بين المستحقين لها وهذا ليس بالأمر السيء مطلقا لأن ما يقابله هو الاستحواذ والاستيلاء على حقوق الآخرين دون وجه حق.
السيء في المحاصصة هو عندما تكون أسسها طائفية أو عرقية أو عائلية أو مناطقية فهذه تأتي على حساب المصلحة الوطنية أي مصلحة غالبية الناس وهنا تكمن المشكلة. فهذه المحاصصة سوف تُقسِّم المكاسب والثروات والمسؤوليات وفق الانتماءات أعلاه وليس وفق الاستحقاق والكفاءة والانتماء للوطن التي يجب اعتمادها من أجل خدمة جميع المواطنين.
من مساوئ المحاصصة أعلاه أن كل مسؤول يأتي عبرها هو في العادة ليس كفوءا لذلك فهو يسعى أن يأتي بـ (جماعته) من أعضاء حزبه أو أبناء مدينته أو قريته أو ربما افراد عائلته إلى المناصب العامة وهذا يأتي دون شك على حساب الكفاءة والاستحقاق الوطني ومصالح الناس. فإذا كان مقياس (توزيع الحصص) هو الانتماء العرقي أو الحزبي أو العائلي أو المناطقي فإنه بالتأكيد سيحرم البلد من كل الطاقات والكفاءات التي تقع خارج تلك المقاسات الضيقة وسوف يحرم الغالبية غير المنتمية من الوظائف والخدمة.
الأمر الذي يغفله العاملون بمبدأ المحاصصة السيئة (التي تقابل المحاصصة الحسنة القائمة على الاستحقاق السياسي) هو أنهم حقا يسيئون إلى أحزابهم ومناطقهم وقومياتهم وعائلاتهم وأنفسهم إن ميزوا ضد المواطنين الذين يقعون خارج هذه المقاسات، خصوصا وأن معظم العراقيين حاليا لا ينتمون إلى أي حزب أو مجموعة سياسية بل ولا يرغبون بأي تصنيف خارج المواطنة والإنسانية.
العراق هو دولة ديمقراطية شاء هؤلاء أم أبوا، أو على الأقل دولة تعتمد على آلية الانتخاب. فإن أساء أولئك المسؤولون استخدام السلطة وميزوا ضد الناس فإنهم عمليا يقلصون من شعبيتهم التي يسعون نظريا إلى تعزيزها خصوصا في أوقات الانتخابات. المؤسسات والوزارات العراقية مليئة بالناخبين المستقلين وأن هؤلاء وأفراد عائلاتهم وأصدقاءهم سيتذكرون أيام الانتخابات من هو الوطني الذي يساوي بين الناس ومن هو المسيء الذي ينحاز إلى (جماعته) وسوف يصوتون ضد الأحزاب والأشخاص الذين يحرمونهم من حقوقهم أو الذين يميزون ضدهم لأنهم ليسوا من أحزابهم أو عائلاتهم أو مناطقهم أو قومياتهم.
الزعماء وقيادات الأحزاب مدعوون إلى مراقبة أداء من اختاروهم لتولي المسؤولية لأنهم وأحزابهم سيدفعون الثمن غاليا في المستقبل من خلال رفض الشعب لهم. تولي المسؤولية هو فرصة أمام السياسيين كي يبرهنوا على وطنيتهم وإنسانيتهم وانتمائهم إلى الشعب كله وليس إلى جزء منه وحرصهم على خدمة البلد كله وكسب المزيد من الاتباع مستقبلا وليس فرصة للاستحواذ قصير الأمد الذي سيجلب عليهم وعلى أحزابهم الهزيمة ورفض الناس لهم بعد اربع سنوات.
أما المكاسب التي يتوهمون بأنهم يحصلون عليها الآن من خلال الاتيان بـ(جماعاتهم) والمقربين منهم فهي قليلة بل عليهم أن يعرفوا أن أولئك الذين يحصلون على المكاسب عن هذا الطريق لا يبقون في العادة على ولاء لأحد بل يغيرون ولاءاتهم كما يغيرون ملابسهم. الأفضل للمسؤول المنتخب هو موالاة الوطن والانتماء إلى الشعب والعمل وفق القانون ومراعاة حقوق الناس جميعا وكسبهم إلى جانبه بدلا من كسب قلقة قليلة لفترة مؤقتة. قد يتوهم المسؤول أنه يكسب من خلال التمييز بين المواطنين لكنه في الحقيقة يخسر، وكذلك حزبه أو الجهة التي يمثلها.