هل رأيتم جثث الملائكة الصغار، ملطخة بدماء البراءة، ومزروعة كالأزهار الربيعية في حي العامل الشعبي في غرب بغداد؟.. لقد جاؤوا ليشاهدوا بأعينهم الجميلة تدفق المياه العذبة بعد جفاف وعطش وقحط، فإذا بأحد رجال أبي لهب يحول بهجتهم مأتماً، وابتساماتهم عويلاً، ويفجّر بدل المياه دماءهم، بعد أن سرقهم واحداً واحداً من أحضان أمهاتهم، وزرعهم، من حيث لا يدري، 37 نجماً مشرقاً في سماء العراق، هو عدد الأطفال الذين حصدهم بكرهه ولؤمه وحقده وانطوائيته.
هل قرأتم ما قاله الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي، أحد البارزين في هيئة علماء المسلمين السنية، من أن “من يقتل نفسه من أجل كرهه لشخص ما، فيقتل عشرات العراقيين مدعياً بأنه استشهادي، فهو منتحر وإلى جهنم وبئس المصير”.
هل رأيتم وجه تلك المرأة العراقية الملطخ بدماء أطفالها؟ إنه يخبرنا بتقاسيمه الحزينة عن ظلم ذوي القربى، الذين أعمت البغضاء أعينهم، فلم يعودوا يميزون بين قريب وغريب، أو بين صديق وعدو. هل رأيتموها كيف تشد شعر رأسها وتولول وتستثغيث برب الأرباب، ذلك العلي القدير الذي باسمه تصدر الفتاوى، وباسمه تزهق الأرواح، وله تتعالى هتافات التكبير إثر كل عملية فوضوية مدمرة مجرمة بلهاء.
هل قرأتم أيضاً ما قاله ذلك السامرائي السني العظيم، بعد أن أركعته المصيبة، وأبكته دماء الأبرياء، وألهب قدسيته صراخ نساء أمته المولولات، فلقد قال، حماه الله: لماذا يلاحق الشرطي أو غيره؟ هل هذا هو الدين؟ هل هذه هي الفتوى؟ ومن المسؤول عن الفتوى لإعطائها للذين ينتحرون فيقتلون عراقيين بحجة أنه تحرير أهل البلد؟”.
هل رأيتم دماء المئات من العراقيين الأبرياء كيف خطت فوق تراب الوطن قصص الخوف والموت والإرهاب؟ وكيف صاحت بصوت واحد: واربّاه؟
وهل قرأتم أيضاً وأيضاً كلام ذلك الشيخ الشيخ عندما قال: من المسؤول عن السيّارات المفخخة التي بدل أن توجّه ضد المحتلّين، أصبحت توجّه ضد العراقيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً؟”.
هذا كلام.. والله هذا كلام.. لا قبله ولا بعده.. لا فوقه ولا تحته.. حتى ولا بين جوانبه.. إنه كلام رجل دين عرف الحق فحرره، وعرف الله فنصره، وأحب بلاده فبكى قتلاها.
لقد غنّيت المقاومة في قصائدي، ابتداء من الجزائرية، مروراً بالفلسطينية، وانتهاء بالمقاومة اللبنانية، عدا التشي غيفارية والفيتنامية وغيرهما، ولكنني، مثلي مثل العديد من الأدباء والشعراء، أصبت بالإحباط والإشمئزاز والقرف المميت من تصرفات المقاومة العراقية، لماذا؟ لأن المقاومة، مهما تدنت مستوياتها، لا تؤذي شعبها، إذ أنها وجدت أصلاً من أجل حمايته ونصرته وتأمين العيش الأفضل له، وتخليصه من الإحتلال، لا رميه في أحضانه بغية التخلص منها ومن إجرامها، كما يحصل الآن.
لا يحق لأي مقاوم، مهما كانت الأسباب والظروف، قتل مواطن بريء في بلده، فكم بالحري إذا كان هذا المواطن طفلاً صغيراً جاء يحتفل بتدفق الماء الزلال إلى فمه المنمنم العطشان.
المقاومة المقاومة هي التي تحدد أهدافها بتأنٍ بالغ، إذ لا يحق لها أن تضرب ضربتها وهي تردد: أنا أعمى ما بشوف.. أنا ضرّاب السيّوف. كونها مسؤولة أمام شرفها الثوري عن البنيان والإنسان في بلد تعمل من أجل تحريره، لا من أجل تدميره.
لقد كنت وما زلت ضد أي احتلال كان: أميركي.. إسرائيلي.. عربي إلى آخر المعزوفة المضجرة. كما أنني ضد قصف المدن الآهلة بالقنابل المدمرة القاتلة، التي تقضي على كل القيم الإنسانية في زمن الديمقراطية والعولمة والانفتاح.. ولكنني كنت وما زلت أيضاً ضد اصطياد وقتل أبناء الوطن الواحد في الجوامع والكنائس والشوارع والساحات بتهمة التعامل مع العدو.. فوالله والله، لو قال لي الله تعالى أن أولئك الملائكة الصغار الذين اغتيلوا في غرب بغداد من عملاء العدو ويحق قتلهم، لكفرت به، ولقلت له ولقاتليهم ما قاله لهم شيخنا السامرائي: إلى جهنم، وبئس المصير.